Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 13 مايو 2024 9:10 صباحًا - بتوقيت القدس

تراتيل انتظار الانتظار

تلخيص

في انتظار الارتطام بالقعر الذي لم تتضح معالمه، حيث أضحى الهدف هو الاستقرار عند القاع، والقاع أصبح مزدحما، والقابع هناك له أن يقرر ما يشاء وله أن يصدر الفرمانات وله الطاعة، ولنا أن نكون حيثما يجب أن نكون، ولنا طاعة صرخة اللحظة المنطلقة من أرصفة الاهمال عند عبور مواكب سادة القوم المنشغلين في اعادة ترتيب المفاهيم وفقا لمنظومة القهر واحتراف فعله، وهم المتربعون على عرش الخوازيق، ونحن المنتظرون لبشارة كبيرهم الذي علمهم السحر، وكنا قد اشبعناهم شتما، وفازوا بالأبل، وعلينا الخنوع والركون والانتظار لما تجود به عطايا الفرمانات الجديدة، ويظل القهر والانهيار أبرز العناوين المرتسمة على جباه التائهون المتخبطون في ثنايا البحث عن القاع.
وللقهر أنواع ولعل أسوأ أنواع القهر هو أن نرحل قبل أن نرى كبارهم وزبانية الظلام، وأرباب الأجندات المتآمرين على الحلم والمفرطين، والذين أضاعوا الحلم وقبلوا بأنصاف الحلول والمساومة على الحق والحقوق، وهم يقفون أمام عدالة جماهير الغضب.
أيها الليل القادم وبالسواد مكللا انتظر قليلا لعلنا نحزم أمتعتنا، ونلملم بقايا ذكريات المدائن لنستعد لرحلة الرحيل نحو الغرب أو الجنوب لا فرق، فاللجوء صار هدفا من أهداف من يركب البحر هربا من وقائع الواقع الراهن، وتظل روما هي القبلة الجديدة، وقد تكون غرناطة البهية الناطقة بغير العربية واحدة من مدن قد تستقبل العرب العاربة المستعربة المنكرين المستنكرين لذواتهم الآن..
أيها الليل، يبوس قد أضحت بالعبرية ناطقة، والصفقة بأزقتها يتم إبرامها، بعد أن خانتها أبجديات العربية، مثل غرناطة التي أضحت بغير الضاد متحدثة..
وللرحمة باب يرحم من يعبره فاتحاً مهللا مكبراً بالعربية ناطقا وبالفتح للمضامين شاهرا ومعبرا عن ذوات الإيمان بحتمية الانتصار، وللإعلان معلنا عن إعادة النطق، والناطق يجوب الحواري والأزقة في ظل استغاثة الحجر قبل البشر، أيها الليل الحالك السواد انقشع ولو للحظة، واترك بينهم مسافة ومساحة.
للرحمة عناوين، والعنوان هنا يعني بالضبط هنا ما يعني انكسار الخوف وحاجز الرعب والترهيب والعصا المصاحبة للجزرة صارت حكاية مبتورة لا تغني وتسمن من جوع، وأضحت العين تناطح المخرز، والكف تتصدى للسكين حادة النصل والقاطعة للوريد، وصار التمرد العنوان الأبرز في الحواري العتيقة، بعد أن أصبح القرف من يوميات الحصار وسويعات الانتظار عند البوابات العملاقة الموصدة، والتي تخفي خلفها الكثير من العشق الروحي المتأصل للمكان، كان القرار وما زال بإسقاط المحرم والمحرمات وتخطي الخطوط الحمراء وتلك المسماة بالسوداء وعدم الإلتزام بالخطوط المتعرجة المرسومة المرتسمة بفعل أنصاف الحلول وضياع الحلم، من قبل حفنة من اشرار البزنس وعقد الصفقات على حساب الوجع والحب والقعود عند أطراف الجبل الصامد.
وكانت أن سقطت مدائن الفتح الأولى، وإيلياء ما زالت صامدة مقاومة بالقليل من زيت القناديل، ورجالها مطاردون مطرودون وممنوع عليهم الاقتراب من بيت الرب، وكانت أن سقطت أيضا غرناطة، وغادر العرب والعجم ومن آمن بالعربي الأمين رسولا ونبيا، ومن يوحد بذكر الله بتلك الروابي، وكان للاستسلام معنى آخر، ووجها مختلفا في مفاصل التاريخ، ونصبت أعواد المشانق في ميادين المدينة الأجمل، وامتطى أمير الانهزام صهوة جواده موليا الأدبار، باكيا شاكيا ضياع الملك والفردوس المفقود، وقف هناك على تلةٍ غير بعيدة تطل على درة العالم وحاضرة الحضارة بذاك الزمن الجميل، وقفَ أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة والدموع تجري من عينيه يبكي ملكه الذي أضاعه بيديه، بعد أن أبرم المعاهدة تلو المعاهدة ليحافظ على عرشه متكئاً، حتى اضطرته معاهداته إلى تسليم مفاتيح المدينة إلى حلفائه الذين كان من المفترض أنهم بحلف استراتيجي معه، وحيث أن الانهيار لا قاع له، فكان الانهيار مدويا، وسقطت غرناطة، وخرج ملك ملوك الصغار ذليلا وصرخت بوجهه العجوز قائلة (إبكِ مثلَ النساءِ ملكاَ مضاعاً لم تحافظ عليهِ مثلَ الرجالِ ) ...
وها نحن نغادر منطق الثورة، ومنطق الممانعة والاستسلام مرة أخرى في خطوة أولى لتسليم مفاتيح مدائننا العتيقة ومغادرة الأزقة، لنقف على أطلال التاريخ في محاولة منا لاستذكار الزمن الجميل، ونسطر بعضا من مرثيات الحزن في ظل الواقع المرير، والخوف من المستقبل السقيم..
هو السقوط والانهيار والضياع جراء انعدام الرؤية، واذا كانت غرناطة قد سقطت بفعل هذا الانهيار، بالتالي كان وسيكون الواقع المرير والأثمان على الطرقات مدفوعة، وتنفيذ الأوامر الجديدة واحدة من أعراف القبائل الجديدة، وهؤلاء المؤمنون بلحظة الخلاص يتشبثون بطوق النجاة وإن كان وهما.
تسقط المدائن بفعل تقديرات قد تكون خاطئة من أولي الأمر، ويسقط المعنى حينما نغادر مواقعنا ونتمترس خلف السراب، ونعتقد أننا بذلك صامدون ومن الممكن أن نحلق في عوالم الإنجاز، والإنجاز له أصوله في أعراف أئمة اللحظة والواقع، وما زلنا نتغنى بالأندلس الجميل، وبمعنى الحضارة وبالقصور المشيدة على تلال المدائن المفقودة، وبالضاد ناطقة تروي الحكاية من أولها.
هو المعنى لماهية السقوط حينما نستذكر التاريخ بحضرة الواقع المرير، وهي المعادلة التي تفرض نفسها منذ البدايات، فبلا شك أن السقوط هو المرداف الطبيعي لمغادرة منصة التمسك بالثوابت والعمل عليها وضياع القوانين الحاكمة لمنطق الأشياء، والطبيعة لا تقبل الفراغ بالمطلق والبقاء للأقوى، والقوة هنا التمسك بالحق والصمود بوجه التنين وعدم الرضوخ والقبول بالاستسلام، بصرف النظر عن منطق القوة وجبروتها، والبقاء للأقوى بمعنى قوة المنطق وأطروحة الحق وعدم التنازل، وصكوك الغفران واحدة من أضحوكات منطق قوة الآخر في محاولة منه لاستباحة الحق والتشكيك بالسياق التاريخي، واختلاط الحقائق قد بات سيد الموقف والألوان تدخلت ببعضها، فلم يعد واضحا حقيقة الأسود من الأبيض والرمادي مسيطر على المشهد، تسقط المدائن جراء هذه الصراعات التي صارت عبثية في أتون إبرام التحالفات مع عدو المدينة، بهدف البقاء بالعرين جالسا بصرف النظر عن طبيعة الجلوس والدور المنوط بالجالس.
ولغرناطة أصل الحكاية، امتطى أبو عبد الله الصغير صهوة فرسه مولياً ظهره لقصر الحمراء في يوم بارد، علت وجه أبي عبد الله سحابة من الحزن، وخيم على الركب الصغير صمت طويل ينبئ بما يكتنف قلوب هذا الركب من غم شديد. سار أبو عبد الله تتبعه أمه وبعض من أهله وصحبه في ذلك الطريق الملتوي الطويل، الذي يمر بين شعاب غرناطه وجبالها متجهاً إلى منفاه ليفارق غرناطة إلى الأبد.
كانت الشمس قد آذنت بالغروب وأخذت تعكس بأشعتها الذهبية على جدران قصر الحمراء لتكسي حجارته بصبغة حمراء باهتة فتضفي عليه سحراً وجاذبية. توقف أبو عبدالله قليلاً عند تلة صغيرة تُشرف على وادي غرناطة المكتظ ببيوته البيضاء ليلقي نظرة وداع أخيرة على مدينته الحزينة التي يتوسطها قصره الشهير، وتسارعت في ذهن أبي عبدالله ذكريات الصبا وأيامه الجميلة التي قضاها في صالات وأروقة هذا القصر وفي حدائقه الواسعة، كان أبو عبدالله يعرف أن تلك الوقفة سوف تكون الأخيرة وأن تلك النظرة ستكون النهائية، إذ لا أمل أبداً بأن يرى مدينته المحبوبة ثانية، تمنى أبو عبدالله لو تطول تلك الوقفة لعله يستطيع أن يملأ عينيه من تلك المناظر الساحرة التي تثير في نفسه ذكريات الصبا، إلاّ ان الحزن الذي يعتصر قلبه سرعان ما استحوذ على عينيه، وإذ بهما تنهمران دمعاً ساخناً حاول جاهداً أن يخفيه عن نظرات أمه الحادة التي عاجلته بلسانها الذرب: " إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال فهل من الممكن أن نبكي واقعنا الراهن بلحظة اكتشاف الحقيقة حينما نغادر منصات قولنا وفعلنا، وحينما نكتشف انهيارنا باللحظة الفارقة ما بين الحقيقة والسراب، فأن تكون رام الله أريحا أولا، فذاك الأمر الجديد في مسار إثبات حسن السيرة والسلوك، وقد يكون للوثيقة أن تضم باقي مدائن الأرض السمراء حينها، والاوئل برسم مسارات الواقع الجديد بمنظومة القوانين الفارضة لذاتها جراء منطلق القوة، والأولوية هنا للمدائن الأكثر هدوءا والأكثر التزاما بالمواثيق والعهود المبرمة مع التنين، وعلى الضفاف الأخرى من هذا الوطن الكبير الناطق بلغة الضاد تُستباح المدائن وتُسلم مفاتيحها لغير أهلها، ويعبر طرقاتها العسكر الأجنبي، حضرموت استصرخت النصرة فكان السكون والسكوت وإبرام وثيقة تسليم اليمن لغير أهلها جزء من معادلة رسم الخارطة الوجودية للمنطقة، ودمشق واللاذقيه وطرطوس أسلمت واستسلمت لجنود سيبيريا القادمين إلى شواطىء المتوسط ليكون الدفء جزء من استباحة التاريخ والحاضر إنما يؤسس لمعادلة المستقبل القريب، ولابد من أن يظل الزعيم خطا أحمر باقيا متكأ على أريكة الحكم وإصدار الأمر والأوامر، بصرف النظر عن الذبح من الوريد للوريد لفقراء الحواري ولمن ينشدون الحرية والعدالة الإجتماعية، وبيت الله قد صار محرما على الموحدين بترتيل فاتحة الكتاب المقدس.
هل هي لحظة وقفة أبو عبد الله الصغير باكيا شاكيا على تلة قريبة من القصر مودعا له بنظرته الأخيرة ؟ أم أنها لحظة ما قبل الانهيار الكبير وصناعة التفكيك وإعادة التركيب مرة أخرى ؟ أم هو واقع طرح الأسئلة الصعبة وقد تكون المستحيل الإجابة عليها.
لغرناطة الكثير من أسرار خيانتها، وصراع أمراءها وإبرام مواثيق استسلامها، وصراع أمراء القبائل ما زال واقعا راهنا بأعراف وتقاليد دهاليز حكامنا، إلا أنهم لا يبكون اللحظة وهم مغادرون، ولا يغادرون أصلا بل بالعرين باقون في محاولة منهم لتسريع وقائع الإنهزام.
و لتعلموا أن من يرث البيت والمسكن والأرض هم الأقوياء، والتاريخ لا يتوقف كثيرا عند تغير الأسماء، وسيمحو من ذاكرته أسماءكم ودلالات وجودكم إن بقيتم بإسدال حلبة القتل دائرين دون أن تقاتلوا وتسطروا مواقف تعرفكم الأرض من خلالها، والثورة هي صناعة وحياكة المستحيل ولبس أثواب العزة فانزعوا عنكم ثوب العبيد، ولتكن بداياتكم من حيث أنتم الآن، اخرجوا من عباءات أمرائكم وسيطروا على مشاهد يومكم، ولا تنحنوا للريح وكونوا كما أنتم ولا تزيفوا حقائقكم ولا تجاملوا فالانحناء مر، وعلموا أطفالكم ركوب المستحيل والله سيتكفل باليتامى والمساكين وعابري السبيل، إن كانوا ممن يملكون الإيمان بحتمية إنسانيتهم وبقدرتهم على أن يكونوا بشرا لهم القدرة على تحدي قوانين الظلم والظالم والمظلوم.

دلالات

شارك برأيك

تراتيل انتظار الانتظار

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%52

%48

(مجموع المصوتين 92)