أقلام وأراء
الإثنين 29 أبريل 2024 12:32 مساءً - بتوقيت القدس
في انتظار الموت المؤجل ...
تلخيص
يكون ان يأتيك الهاجس بماهية اللحظة الراهنة وكأننا نترك الغد لمقادير الأمور ، وتتزاحم الاسئلة العنيفة التي تغزو الوجدان دون اجابات منطقية بالشكل والمضمون ، والقلق تتسع حلقاته ، هذا القلق الذي اضحى جزء من يوميات القابع ما بين قرار السادة وانتظار الرعايا ، والموت قد اضحى هو الحقيقة الساطعة الذي من شانه اجبار الكل على التعامل و التعاطي وفعل الغياب لأولي الأمر فينا على مختلف مواقعهم ومشاربهم ومنابتهم ، وعداد القتلى على الاشهاد متحرك ، والثابت هو المتغير في عوالم إبادة المدن ، والضحايا يأبون الا ان يقولوا كلماتهم اللائقة بالوجع والاحساس باللحظة بالقهر في ظل التخلي عنهم وعن احلامهم وتظل قطرة الماء الهدف المنشود.
وتدور الدوائر في محاولة لإيجاد الاجابة للسؤال عن ماهية الغد استنادا لظرفية اليوم ، ولعل الوطنية الفلسطينية الراهنة تعايش القلق والموت ، وطرح التساؤلات وانتظار الاجابات والترقب سيد الموقف لما سيكون عليه قرار السادة والانتظار قد طال، ونحن في حالة انتظار طويلة ، انتظار لترتيب البيت وانتظار لمن سيعتلي منصة الكلام ومن سيعلق الجرس ومن سيصرخ ومن سيقارع الحجة بالحجة ومن سيكون له خيار الصمت والسكون ، وهناك عند الزوايا من سيمارس خالة الخنوع ويرضى بالركوع ، وقد يكون من بين الصفوف من من قد يتقدم ويقول الكلام الممنوع في ظل قوانين الكلام ونظم الجمل ، والاحرف الأبجدية قد ضاعت في التيه واصبحت غير مترابطة ولا تعبر عن وقائع اليوم ، والجميع يحاول الهروب من حقيقة السؤال ، والموت هو الحقيقة التي من شأنها اجبارنا على اعادة الترتيب وتولي مقاليد الامور في ظل الفوضى ليكون من سينصب ذاته ارغاما او خيارا او اختيارا السيد الجديد ، والخليفة المحتمل او من يرى بذاته الامير القيصر هو من يستعجل فعل الموت والغياب ، وللموت لعبته في التشويق واطالة انتظار السادة الامراء وقد يكون في ذلك حكمة لإنضاج الرعايا الرعاع ولتهيئة العرش للقادم على منصة التتويج .
والممنوعات كثيرة على قائمة الصمت البليغ، هذا الصمت المدوي والصمت قد يكون موقف من مواقف الاحتجاج على كل الكلام وجعجعة الانتظار. ومن الممنوع ان تمارس الحق بالتفكير بماهية اللحظة الفارقة في ظل التغيب، وهنا لابد من ممارسة كل اشكال الخرافات والشعوذة والولوج الى عوالم المستقبل بأدوات اخرى لا نعرفها و ولا نجيد استعمالها .. والفجوة باتساع والصدفة هي سيدة اللحظة الراهنة بكل ما يتصل بالذات الجمعية الجماعية. وما زال الكل قاعدين هناك عند اطراف التاريخ في محاولة للانقضاض على فريسة الموت ان جاء مباغتا . وقد يكون الموت للفكرة وللإطار ولرافعة الفعل والافعال، وقد يكون تلاشي الحس والاحساس بالمسألة الوطنية وتداعياتها شكلا من اشكال الموت البطيء ، ومغادرة منصة الحلم والثورة هو الموت الحقيقي للشعب التواق للحرية وتقرير المصير ، وغياب الاحتجاج والمقاومة ووأدها جزء من فعل الموت المتكرر ، والركون والركوع والتركيع والسجود بحضرة كلمات القيصر والتسليم بالأمر الواقع هو الموت بأبهى صوره . والموت في الشرق يصبح له دلالات اخرى ومعاني مختلفة حينما يقترب من اولي الأمر فينا.
في الشرق المأزوم لهم أن يطاعوا ويؤمروا.. هو الحاكم بأمره، وأمره قد يكون تنفيذا لأوامر أخرى تأتيه من وراء البحار، لك الكلام والحديث، ولك الأمر ولنا الطاعة، وإن كنت بالرمق الأخير. في الشرق المأزوم يجوز للمتربع على عرش الحكاية أن يقول ما يقول بحضرة القول المبالغ به. وسيد الموقف قرارت فرعونية ليس لها علاقة بالمقدس ذاته، والإلياذة هناك مقدسة وبروتوكولات حكماء صهيون مقدسة على الضفة الأخرى من الجدار، والقداسة ليس لها علاقة بالقبلة الأولى والبيت العتيق والجلجلة.
في حضرة الموت المُنتظر والمؤجل الى حين والأبخرة والشعوذة واستحضار المدد من العوالم الأخرى يكون الكلام. يتربع بوسط الحضرة شيخ الطريقة ويبدأ بالتراتيل التي من خلالها سيكون بروتوكول الوصايا للقادم على منصة التتويج في ظل الموت الكبير للكبير ، هكذا كان وهكذا سيكون.
والموت هنا يصرخ ان انتظر ... سأورثك مجد القيصر لترتع به كما تشاء، وسأجعل منك إماما عليهم، فقد حانت ساعة توليك أمورهم وهم رعاياك وجواريك من النساء، افعل ما شئت بهم أو بهن، لا فرق، وسأعلنك أميرا للمؤمنين عليهم، وقد تكون مليكا على عرش جماجمهم، وسيدا لعبيدهم، ولن يظهر سبارتاكوس من جديد. والمعادلة بسيطة: بقليل من الجوع والتجويع والفقر والقتل سيسود حكمك ولا بد من زبانية يعملون إلى يمينك، وعسس يسهرون على مراقبة ليلهم وجوعهم، وبرامكة تستقدمهم ليكونوا عونك، وإن ابتسموا لا بد أن تعرف من المبتسم وسر هذا الابتسام. وإن بكى آخر أو غضب أو كان عابسا وجب التفسير. وإن قبلوا نساءهم بوضح النهار فاعلم أن ثمة خللا في أحوال الرعية. وإن اعتلى أحدهم منصة الكلام وقال بحضرة الليل شعرا فانتبه للقول من أوله فقد يحمل معه مضامين أخرى، وأقصد زواريب الطرقات فقد يتجمعون هناك. ومارس التخريب لنشوتهم، وإن كانوا جالسين على قارعة الطريق فاعمل على تفريق جمعهم، واحذر صعاليكهم فلا تدري متى سيكون غضبهم. إعمل على تخريب فرحهم ولحظتهم بإنسانيتهم. أشعرهم دائما بالدونية، وأجبرهم على تقبيل اليد الممدوة دائما للعطايا، فأنت القيصر والقيصر هو المانح العاطي الواهب القادر، ولا حق لهم إلا بما تجود به نفسك وما تقرر به أنت وقتما تشاء، وإياك والضعف وأن يحنو قلبك على صغارهم فغدا سيكبر هؤلاء ليصبحوا الرجال بعهدك. وإن أردت أن تتحدث وتخطب فيهم فانتبه أن تكون دائما الأعلى والأوسم والأرقى وخاطبهم بفوقية القيصر وعظم ذاتك.
أيها القيصر العتيد علمهم الانحناء، وأجبرهم على فعل الانحناء هذا، حتى يصبح جزءا من بروتوكولاتهم حينما يصبح اللقاء معك ممكنا، واحرص على تجديد العقاب والثواب، واعتمد على العصا الغليظة المغلظة والجزرة التي قد لا يحصلون عليها. ولا تخلق منهم أبطالا، وإياك وإيداع الرموز بين ضلوعهم، وتعلم من التاريخ جيدا، ولا تخلق لهم كربلاء جديدة يحجون إليها، ودمر كل معابدهم ودنس مقدساتهم ومعتقداتهم، ونصب ذاتك وليا للرب، وأن ما تقول أو تفعل مستمد من شرعية الإله، وقرّب من سلطانك دعاة يسبحون بحمدك وبقولك وبفعلك.
إخلق دائما بمواجهة الحسين يزيد ومعاوية، واجعل من واقعة الفتنة والفتن نبراسا ودليلا لحكمك، ولأسلوب إدارتك الرشيدة، وشدد على اختلاف المذاهب وتعدد التفسيرات ليسود تفسيرك أنت، وليتصارع الهلال مع الصليب على الدوام، وسياسة التكفير واحدة من أقوى أسلحتك وفتكك، وخيّب ظن الحسناوات بظهور الفرسان القادمين على صهوات الجياد، ودمر أحلامهن بفحولة الرجال.
واياك من إعادة سيزيف إلى المشهد مرة أخرى فقد صنع -ومن خلال صخرته- أسطورة صارت مثالا يحتذى بها لتحدي المستحيل، وحكاية الأسطورة تستهوي العبيد ويطربون على إيقاعاتها.
استعرض أمامهم قدراتك وإمكانيات بطشك، واعلم أن قوتك من ضعفهم، وعلمك من جهلهم، ونهارك ممتعا في ظل سواد ليلهم، وربيعك من خلال خريفهم، لذلك لا تسمح لهم بربيع مزهر.
يا قيصر الليل لا تأبه لنداءت قد تسمعها يوما بضرورة إفساح المجال للحريات، ولتلك المسماة بالديمقراطية، فأنت مصدر كل السلطات ولا سلطة إلا سلطتك، ولا عرش إلا عرشك، وإياك من عبثهم بدستور يخذلك، ويسحب البساط من تحت أقدامك.
ونصب نفسك فرعونا مؤلها بالسيف، ومن خلال زبانية يعملون على التذكير باسمك وأفعالك بصرف النظر عن طبائعها، ومارس الرذيلة بوضح النهار، ولا تأبه لمن يغمسون القلم بالحبر الأسود، فشعبك لا يقرأ، وإن قرأ ينسى، وإن لم ينس يخاف. فهؤلاء الرعاع يبحثون عن اللات والعزى، وعن هبل جديد ليقبع في البيت العتيق يحجون إليه راكعين.
إجعل من ذاتك إمبراطور اللحظة، والتقط تلك اللحظة التاريخية، واركب أية موجة قد تفاجئك بها الريح المعاكسة وإن جاءت غربية فكن غربيا أعجميا أجنبيا، وإن تناقضت مع أعراف وتقاليد أسلافك، وانظر دائما إلى عرشك وحافظ عليه، وإن كان تحالفك مع الشيطان ضرورة فافعل ما تؤمر به لحظتها، وإياك واستعداء أباطرة البيت الأبيض ونفذ سياسات يهوذا وإن كانت خلسة، فهم أيها القيصر من سيحافظون على عرينك، وإن كان خشبيا، ولا تكشف عن حنقك وغضبك أمام سادة العالم فأنت دائما من يحتاج له سادة البزنس المتغول، واجزل بالعطايا لهؤلاء السادة وإن كان على حساب العبيد من رعاياك. اعقد الصفقات معهم، وامهر توقيعك على كل وثائقهم ولا تدقق بتفاصيل الاتفاقيات، فأنت قيصر هنا وحارس أمين لمصالحهم، ولتعلم أن عرشك لن يدوم إذا ما غضب سادة روما وأباطرة بلاد العم سام.
يا سيد السادة... ضع الصغير مكان الكبير، وضع الجاهل مكان العالم، وضع التابع في القيادة، وحينها الويل لأمة مالها عند بخلائها وسيوفها بيد جبانئها وصغار ولاتها.
وإن تجمعوا في الساحات، وبدأوا بالتكاثر فبادر إلى استيعابهم، وحاول أن تستعطفهم بمجدك وتاريخك. وإن هتفوا ضدك وتجرأوا على ليلك وقصرك فاعلم حينها أنك لابد راحل، فابحث مبكرا عن خلاصك، ولا تركن إلى أصدقاء أو مناصرين، ولا تبحث عن أسباب هزيمتك وتقويض عرشك، ففي كل ما قلت أسباب فعلية لزوال ليلك، ولا قيصر دون قصر وبطش. ولا تجتهد كثيرا، فالكل سيتخلى عنك لحظتها، وينفض الجمع من حولك، وقد تأتيك ضربة النهاية ليرتسم مشهد نهايتك من حيث لا تحتسب، فحينها أيها القيصر المنتهية ولايته استجمع بقايا عرشك وأهرب تحت جنح الليل باحثا عن جحر يأويك، وتهيأ لدق الطبول فقد صار للعبيد حرية انتزعوها من بين أنيابك، ولا بد من الانقضاض على تاريخك وتاريخ أسلافك، حينها اصمت وادخل ذاتك بغيبوبة الصمت...
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
مستعمرون بينهم بن غفير يقتحمون الحرم الإبراهيمي
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 82)
شارك برأيك
في انتظار الموت المؤجل ...