أقلام وأراء

الأربعاء 14 ديسمبر 2022 10:05 صباحًا - بتوقيت القدس

اضطراب الهوية لدى الشباب ... طلبة الجامعات نموذجا

د.غسان عبد الله

تجيء هذه الرؤية، حصيلة ملاحظات شهدناها ودونIاها أثناء عقد عدة دورات تدريبية لممثلي الكتل الطلابية في جامعات ومؤسسات التعليم العالي بالتعاون مع عمداء شؤون الطلبة. كان محور التدريب الأساس توظيف لغة ومهارات الحوار لحل النزاعات سلميا. نبتعد هنا عن التعميم قدر الامكان، حيث أننا لم نشمل المحافظات الجنوبية في التدريب آنذاك لظروف خارجة عن إرادتنا، رغم تمكننا من تغطية كافة المناطق في المحافظات الشمالية.


تنطلق هذه الرؤية من قناعة راسخة بأن فئة الشباب هي الشريحة الأكبر بين شرائح المجتمع الفلسطيني، وتشكل رأس مال المجتمع، ولقناعتنا أيضا، بأنها هي القادرة على إحداث التغيير المنشود وبالتالي النهوض بكافة مكونات المجتمع الفلسطيني، ولما لهذ الاضطراب من انعكاسات سلبية على السلوك البشري كما سنرى لاحقا.


الاضطراب والهوية والشباب لغويا
الشباب هم من ينحدرون من فئة عمرية متقاربة في العمر وبالتالي متشابهة في السمات (السن، الديناميكية، الميل الى التغيير ومحاولات الانعتاق من كافة مصادر الضغوطات النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية والأكاديمية ....الخ )، وتقع هذه الشريحة في مجتمعنا ما بين سن 15-24 سنة.


الاضطراب: ببساطة التخبط في السلوك نظرا لعدم وضوح /ثبات الرؤية وبالتالي اهتزاز وتذبذب في المفاهيم والدوافع السلوكية.


الهوية: قدرة الشخص على تحديد من هو ،ماذا يريد وكيف له تحقيق ما يريد، ما الهدف من الحياة وما دوري فيها؟


قبل الخوض في الجوانب الأخرى لهذه الرؤية، لا بد من تأكيد أن اضطراب الهوية لدى هؤلاء هو أمر مكتسب وليس موجودا بالفطرة، بدليل أن هذا الصراع النفسي قابل للتعديل والتغيير، واذا ما ابقينا عليه دون تعديل سلوكي يتحول هذا الاضطراب الى سلوك مستطير، مثلما هو حال جلمود الصخر الذي يحطّه السيل العرم.


وجدنا أن هناك عوامل عديدة ومتداخلة أدت الى اضطراب الهوية لدى الفئة المتناولة هنا، من أبرزها، اضافة للواقع السياسي المزري جراء أوسلو وتبعاته المقيتة، وحالة الانقسام البغيض والبطالة المتزايدة:-


• ضبابية الهدف من الوجود، اذ لمسنا أن هناك نسبة غير مرتفعة تؤمن بـ" وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون". فالانسان العابد هو الفاعل المنتج وبالتالي القادر على إسعاد ذاته وإسعاد الآخرين، اذ لاحظنا دوام تشوش مفهوم النظر للحياة بل هو الطاغي.


• غياب مهارات الصبر وتحمل المشاق اليومية "وبشّر الصابرين"
• الافتقار الشديد الى التأسيس في مناهجنا التعليمية ومعلمينا وقبلهم أسرنا، في شحن وكيفية تذويت الفرد منذ الطفولة، لقيم الشراكة المسؤولة, التحدي والأمل... مما يمكنهم من ايجاد فرص للتغلب على الصعوبات والتحديات الجمّة القائمة، هل تعملان، الأسرة والمدرسة سوية وبشكل تكاملي؟ هل هناك في كليهما تمجيد لنماذج القدوة والمثل الأعلى!


• ما من شك أن عصر العولمة (بات العالم قرية صغيرة) ومصادر الاعلام المتعددة والمتناقضة على اختلاف انواعها ( اعلام رسمي، وسائل تواصل اجتماعي .. لو نظرنا الى ما يتم نشره والتركيز عليه، لافترضنا أننا نعيش في المدينة الفاضلة، بينما الواقع هو كليا عكس ذلك) مما جعل الانسان خاضعا لنمط السلوك الاستهلاكي، والانبهار بالغرب، الميل الى الشهرة (مما أوجد آفة حب الظهور)، تقليد ومحاكاة الآخرين وبالأخص من يختلفون عنه في الثقافة والمعتقدات الدينية، مما يحبط الميل للمنافسة وإثبات الذات


• الثقافة الحزبية السياسية القائمة على الفئوية الضيّقة وتهميش الآخر وإلغاء دوره.


• وجود مشكلات نفسيّة مسبقا جراء الضغوطات وممارسات الاضطهاد والتنمر أو العيش في أجواء أسرية دائمة المشاكل والنزاعات والصراعات العائلية.


• غياب ملحوظ لدور الأجسام الشبابية الفاعلة (اتحاد عام طلبة فلسطين مثالا)، لا سيما في المناطق النائية والمهمشة، وكذلك غياب ثقافة العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي، لا سيما في ظروف الفقر المدقع الذي يعيشه غالبية أفراد مجتمعنا.


مؤشرات جليّة تدلّ على اضطراب الهوية لدى هذه الشريحة، على سبيل المثال لا الحصر، نذكر بعضا منها:


- دوام الافراط بـ"النفس اللوامة "وأحيانا الانفجار بمن أمامه، مع دوام تكرار قول الى متى؟ متى الخلاص؟


- ترى مثل هؤلاء وجوهم باسرة عابسة، مع دوام ملامح شدة العصبية عليها.


- ميل نسبة كبيرة من هذه الشريحة الى دوام استخدام لغة وأمثلة ثقافية أجنبية عند التعبير عن الذات أو تقديم رؤيتها/رؤيته حيال موضوع ما (الشعور بمركب النقص) والهروب الى الأنشطة الترفيهية الصاخبة التي لا تمت الى ثقافتهم ومعتقداتهم الدينية بصلة.


- ضعف الثقة بالذات وعدم الرغبة في الاقدام والمحاولة، وأحيانا الخجل الزائد عن حدّه.


- دوام القلق والارتباك وأحيانا الاحباط، مع احتمال بروز حالات القلق العصابي والقلق الوجودي وأنماط مختلفة من الاكتئاب، جراء الانحراف أو التناقض السلوكي في المجتمع والأسرة، مما قد يولّد لديه الشعور بعبثية الحياة والوجود وعدم اعطاء قيمة لما يفعل ويعمل في هذه الحياة، مع دوام الاغراق في الحزن والمشاعر السوداوية.


- نظرا لهذ الاضطراب في الهوية لدى هذه الشريحة، قد تجد الدعوات للإلحاد آذانا صاغية لها لدى البعض منهم، ناهيك عن عقوق الوالدين.


للخروج وتعديل هذا السلوك لا بد من تكثيف الجهود الرسمية والأهلية.


فعلى الصعيد الرسمي:


• إعادة النظر في دور الأسرة الحالي ودور المدرسة والجامعة مع إيلاء اهتمام أكبر للتربية الدينية، حيث بات ملحوظا أن هناك عجزا قائما في دور كل من الأسرة والمدرسة والجامعة حيال الدور المنوط في كل من هذه المؤسسات القائمة، وكيفية العناية بالتنشئة الاجتماعية المنشودة ولن يتأتى هذا الا من خلال اعادة بناء الأسرة وتصويب رسالة المدرسة والجامعة.


• إعادة النظر في دور وزخم الاعلام بكل أنماطه واعادة توجيه بوصلته نحو الجهة الصحيحة بعيدا عن دوام تسويق الوهم، من أجل تكريس تبني أشكال حياتية أكثر ايجابية من خلال ابراز صورة نماذج القدوة المؤثرة في التربية السليمة.


ليبدأ الشباب بذاته من خلال :-


• معرفة ذاته جيدا أولا، وثانيا العمل الذاتي والجاد على التخلص من تشوش مفهوم والنظرة للحياة "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية"، مع دوام خشية الرحمن بالغيب في كل صغيرة وكبيرة.


• تعلّم وتذويت مهارات التفكير الابداعي والحوار كنهج حياة لحل النزاعات سلميا وبشكل صحيح مع تنمية القدرات الابداعية من أجل ذلك.


• إتقان العمل والمهام الموكلة اليك، اذ أن الله يحب أن يتقن أحدكم عمله، مع التركيز على الكيف قبل الكم.


• الاعتناء بالذات وممارسة الرياضة الروحية والبدنية.

دلالات

شارك برأيك على اضطراب الهوية لدى الشباب ... طلبة الجامعات نموذجا

شارك دون الحاجة الى التسجيل.

يرجى التعليق باللغة العربية.

فريق عمل القدس دوت كوم

مشاركات القراء

إشترك الآن النشرة البريدية آخر الأخبار من القدس دوت كوم
By signing up, you agree to our Privacy Policy
طقس القدس

الجمعة

10- 20

السّبت

8- 15

الأحد

8- 14
أسعار العملات
  • دولار أمريكي / شيكل شراء 3.59 بيع 3.61
  • دينار أردني / شيكل شراء 5.06 بيع 5.08
  • يورو / شيكل شراء 3.89 بيع 3.91

الجمعة 24 مارس 2023 5:03 صباحًا

الأكثر قراءة

الأكثر تعليقاً