
أقلام وأراء
السّبت 17 ديسمبر 2022 11:07 صباحًا - بتوقيت القدس
بعد 480 شهرا ... كريم يونس على موعد مع الحرية !
بقلم : وليد الهودلي
كيف تمكّن الأسير كريم يونس من صعود هذه الجبال الشاهقة؟ كيف تمكّن من وعورتها وصخورها الصلدة القاسية؟ مساحة زمنية موحشة ينوء عن حملها الاف الرجال، حملها كريم وحده، كم مرّة دخل معركة الاضراب المفتوح عن الطعام، وكم مرّة دوهمت غرفته في منتصف الليل بدعوى التفتيش الهستيري المجنون، وكم تفنّنت العيادة في تقديم العلاج غير المناسب ومرمرته قبل الوصول الى حبّة الدواء الصحيحة، كم خلعت له الخلّاعة "طبيبة الاسنان" من أضراسه، كم بقي منها في فمه وكم بقي في ذمّة هذا الذي يسمونه طبيب؟ كم زيارة وصل أهله بوابة السجن ثم أعادوهم أدراجهم دون أن تكحّل عيناه برؤية أحبابه؟ كم من حبيب وصله خبر وفاته وكمد على حزنه كون أن يمكّن سجانه من نظرة شامتة؟ وكانت آخر الوفيات وفاة أمّه التي كان المنى أن يحظى بشيء من الوقت يقضيه قربها، يشتمّ رائحتها الزكيّة ويعطّر روحه بشذاها الطيب، الان سيغادر السجن بعد اقل من ثلاثين يوما لتكون أوّل محطة له زيارة قبر أمّه وسيقولون له هذا قبر أبيك وهذا قبر خالك وعمّك وجارك ووووو . يا لها من "ترويحة" جاءت بعد أن باعد السجن بينه وبين أحبابه.
بعد اقل من شهر من الان، سيختم الأربعين سنة، سيحمل ذكرياته الجميلة واللئيمة، سيحمل على كاهله حمولة أربعين سنة من القهر والالم، سيفيق صباحه الاوّل بعيدا عن نهيقهم وقولتهم المشؤومة: عدد عدد، لن يأتيه عدو يحصي عليه أنفاسه في الصباح والظهيرة وعند المساء، بعد شهر من الان سيختار طعامه وشرابه وحركة قدميه ومنامه ولباسه وحديثه وسيفتح عينيه على مصراعيها ليرى الأفق جميلا بهيا واسعا كما هو، من غير أن يقطّعه حديدهم وشؤمهم وحقدهم، سيرى الحياة من غيرهم وهم يشاركونه الزمان والمكان في أضيق حالاته، سيفرح ويبتهج وسيشعر في ذات الوقت بغصّة عندما يمرّ في خاطره من تركهم خلفه، إنهم هناك ينتظرون أن تأتيهم فرصة الحياة من جديد، أن يبعثوا من جديد خارج هذه السجون.
كيف سيقضي كريم هذا الشهر الفاصل بينه وبين الحياة، بين مدفن الاحياء والحياة فوق الأرض، بين ظلمات ثلاث ونور لا يُشبع منه؟ سيكون شهرا ثقيلا ولكنه سيمضي كما مضت الاربعمائة والثمانين شهرا، سيتنسّم الحرية وسينعم بما حرم منه، سيولد من جديد وسيفكّر مليا في ما هو آت دون أن يخرج من أعماقه السجن أبدا، سيبقى نصفه خارج السجن والنصف الاخر مع اخوانه الذين تركهم لأقدارهم في السجن، أنّى له أن تكون الفرحة أو السعادة كاملة، وكأنه في هذه الدنيا لا تكتمل وقد يكون اكتمالها بهدم السجون وتحرير من فيها وهذا لا يمكن أن يحدث الا بزوال الاحتلال.
مشكلة كريم الأولى هي الاحتلال ومشكلته الباقية هي أيضا الاحتلال. لن يعود للحياة صفوها وما دام هناك من يسيطر على مفاصل حياتنا بل وعلى كلّ تفاصيلها، سيرى كريم بعد عودته الى بلده في فلسطين المحتلة عام ٤٨، الحجم الهائل من العمران الذي أقامه الاحتلال، سيرى المستوطنات التي تركها صغيرة وقد أضحت مدنا كبيرة، سيرى الشوارع الكبيرة والأسواق الضخمة، سيرى انتفاش الباطل وكم تعاظمت فاحشة الاحتلال بعد مرور كلّ هذه السنوات، كريم في جسمه مضاد للإحباط قوي جدا، في "حبسته" الطويلة درس التاريخ ودرس مآلات الظالمين وعلم علم اليقين أن الباطل لا يدوم ابدا.
دلالات
مشاركات القراء
المزيد في أقلام وأراء
"خليفة" الأفضل من أبناء قطر
شرم الشيخ كما العقبة: لا جديد تم إنجازه
اتهامات الاحتلال لمناهج التعليم في وكالة (الأونروا) بالتحريض باطلة
ما بعد رفض وساطة هيرتصوغ الثالثة!
شر البلية / الكوميديا السوداء
الرد الوطني على انكار وجود الشعب الفلسطيني
اتفاق بكين الثلاثي ... نقطة تحول أم هدنة مؤقتة؟
لا جديد في بيان شرم الشيخ
لمحات من الأحداث
طقس القدس

الثّلاثاء

الأربعاء

الخميس
أسعار العملات
- دولار أمريكي / شيكل شراء 3.65 بيع 3.67
- دينار أردني / شيكل شراء 5.15 بيع 5.18
- يورو / شيكل شراء 3.91 بيع 3.93
الثّلاثاء 21 مارس 2023 7:43 صباحًا
شارك برأيك على بعد 480 شهرا ... كريم يونس على موعد مع الحرية !
شارك دون الحاجة الى التسجيل.
يرجى التعليق باللغة العربية.
فريق عمل القدس دوت كوم
جاري نشر التعليق