Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

النظرة التاريخية الاستراتيجية للبحر الأحمر ودوره الاستراتيجي في طوفان الأقصى .

الأربعاء 26 يونيو 2024 8:29 مساءً - بتوقيت القدس

مهيب صدوق

مقدمة :
للبحر الاحمر مكانة فريدة في الاستراتيجية العالمية والإقليمية ونلاحظ تاريخيا الصراعات التي دارت في البحر الاحمر وما حوله .
فبعد الحرب العالمية الثانية استقطب تنافس القوى الكبرى لما له من أهمية استراتيجية واقتصادية وفي العلاقات الدولية وخصوصا بعد اكتشاف النفط في الخليج العربي والجزيرة العربية مما جعل المنطقة قابلة للاشتعال الفوري .وبما أن طريق النفط ينطلق من الخليج العربي عبر مضيق هرمز إلى خليج عدن ثم باب المندب إلى البحر الاحمر ثم قناة السويس إلى البحر المتوسط ثم إلى أوروبا فتحولت نقطة الاختناق الجنوبية في البحر الاحمر كله حتى نقطة الاختناق الشمالية إلى اخطر المراكز الاستراتيجية التي تنظر إليها الدول الأوروبية ،امريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك .
فتحولت الدول المتشاطئة على البحر الاحمر من دول مالكة وحاكمو لذلك الطريق الحيوي إلى دول مملوكة ومحكومة لقوى خارجية مارست سياسة الاستقطاب في البحر الاحمر .

الأطماع الغربية في منطقة البحر الاحمر :
في بداية الخمسينات ركزت الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامها في منطقة البحر الاحمر واتجهت إلى إثيوبيا في اتفاقية عام ١٩٥١ بإقامة قواعد عسكرية في ارتيريا مقابل دعم اثيوبيا ضد الشعب الارتيري كما شجعتها لإقامة حكومة فيدرالية لها مع ارتيريا عام ١٩٥٢ وتعهدت الولايات الأمريكية بدعمها لإثيوبيا مقابل إقامة قواعد لها في ارتيريا بعد ضمها وهذا ما حدث بالقوة عام ١٩٥٣ بعد تمكن اثيوبيا بقوة السلاح من ضم ارتيريا لها وأثر ذلك وقعت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية بدعم اثيوبيا اقتصاديا وعسكريا وقامت في ارتيريا قاعدة عسكرية “كاجينو” شيد فيها منظمة رادار تمكنت من خلاله الولايات المتحدة الأمريكية من رصد كل حركة في المحيط الهندي والبحر الأحمر ،كما وقعت معها اتفاقية عام ١٩٦٠ بإقامة قاعدة عسكرية في ميناء مصوغ مقابل تجهيز وتدريب الجيش الاثيوبي المكون من ٤٠٠٠٠ مقاتل واستمرت الولايات المتحدة الأمريكية في دعم اثيوبيا على هذا النحو حتى طرأت تغيرات عديدة في الإقليم أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على التخلي عن قواعدها العسكرية في اثيوبيا ومن هذه التغيرات بسالة هجمات الثوار الارتيرين لقواعدهم العسكرية .
منذ عام ١٩٧٤ منذ قيام الانقلاب في اثيوبيا وانهيار حكومة هيلاسيلاسي أعلن ضباط الانقلاب حينها تبني النهج الاشتراكي السوفيتي وأعلن منغستو “زعيم اثيوبيا الجديد حينها” قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية واتجه إلى الجانب السوفيتي التي كان يدعو للانفصال عن ارتيريا .
وبعد فقدان الولايات المتحدة الأمريكية لقواعدها في اثيوبيا وارتيريا بحثت عن دول أخرى تمكنها من تشيد قواعدها العسكرية في البحر الاحمر فاتجهت إلى المملكة العربية السعودية التي كانت هناك علاقات بينهما ماقبل الخمسينيات إذ ارتبط الطرفان بعلاقات اقتصادية بينهما ومنها استثمار الشركات الأمريكية للنفط السعودي وعلاقات عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة من دعم المملكة العربية السعودية بالسلاح والتدريب مقابل تشيد الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكريةجوية لها في منطقة الظهران .
منذ عام ١٩٧٢ وقعت عدة احداث في الدول المطلة على البحر الاحمر أدت لتبادل مراكز القوى بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي منها قيام مصر في قطع علاقاتها بالاتحاد السوفيتي والاتجاه نحو الولايات المتحدة الأمريكية وفضلا عن ذلك الصومال التي كانت تتلقى دعمها من الاتحاد السوفيتي من عام ١٩٦٤ -١٩٧٧ في حربها مع إثيوبيا …اخذت الصومال في الميل باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وقطع علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي ردا على دعم الاتحاد السوفيتي لإثيوبيا منذ الانقلاب الذي تكلمنا عنه آنفا .
هذا الميل أنتج عنه قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتشيد قاعدتين عسكريتين في مقديشو وبربرة الصوماليتين عام ١٩٨٠
كما تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تعزيز نفوذها في منطقة اليمن الشمالي بعد عام ١٩٧١ عن طريق السعودية التي أنهت خلافها مع اليمن الشمالي وقد اتسم اليمن الشمالي بتبعية سياستها الخارجية للملكة العربية السعودية بعد عام ١٩٧١ .
أما السودان التي كانت منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي نتيجة سياسات داخلية أعلنت السودان انفصالها عن الاتحاد السوفيتي والميل باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية .
وبذلك يمكن تحديد النفوذ للدولتين العظميين في منطقة البحر الاحمر الى نفوذ امريكي على مصر والسودان والمملكة العربية السعودية واليمن الشمالي والصومال فضلا عن دولة الاحتلال.
الاسرائيلي مقابل نفوذ سوفيتي على اليمن الجنوبي وإثيوبيا.

خلفت روسيا الاتحادية الاتحاد السوفيتي الذي انهار كدولة عظمى في مطلع التسعينات وتفكك لدول عام ١٩٩١ .وبذلك أصبحت علاقة روسيا بالبحر الأحمر تنسب إلى التاريخ وأصبحت غير قادرة خلال مدة منظورة بعد تفكيكها من منافسة الولايات المتحدة الأمريكية.

وظهرت دول أخرى لها أطماع في البحر الاحمر مثل الدور الفرنسي فتسعى السياسة الفرنسية إلى تواجد ملموس لها في منطقة البحر الاحمر بما يحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية ولايجاد توازن مصالح في حسابات القوى المؤثرة على الأوضاع في المنطقة ورغم استقلال جيبوتي عن فرنسا إلا أن فرنسا احتفظت بوجود عسكري ومؤثر عن طريق قاعدة عسكرية تعتبر الأكبر لفرنسا من خارج أراضيها .

ولا يمكننا التغافل عن أطماع بريطانيا في البحر الاحمر وبالدول الأفريقية المطلة على البحر الاحمر وخاصة مع الاتفاق السياسي والاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن تلخيص دور بريطانيا في منطقة البحر الاحمر بما يلي :

-تصدير نظام التسليح البريطاني إلى دول المطلة على البحر الاحمر .
-نصف التجارة الخارجية هي تجارة لمناطق تقع شرق البحر الاحمر وخاصة دول الخليج .
-الحفاظ على دورها الدفاعي لحلف شمال الأطلسي في المنطقة لذلك هي تحتفظ ببعض القطع البحرية في المنطقة .
-المشاركة في أحداث تقع في منطقة البحر الاحمر التي تهدد أمن وسلامة المصالح الغربية في المنطقة .

ولا يمكننا التغافل أيضا عن الدور الياباني والصيني في منطقة البحر الاحمر فمعظم صناعات اليابان والصين تعتمد على المواد الخام المستوردة من الخارج وتستورد احتياجاتها من الطاقة من دول الخليج ولذلك حرصت على تشييد قواعد عسكرية لها في جيبوتي .

السياسية الاستراتيجية الاسرائيلية في البحر الاحمر :

والبحر الأحمر منزلة خاصة لدى دولة الاحتلال الاسرائيلي وتنبثق هذه المنزلة من التاريخ اليهودي وفي الفكر الاستراتيجي الصهيوني /الاسرائيلي واقامت الحركة الصهيونية منذ نشأتها دعواها في شأن البحر الاحمر من النصوص والأساطير الدينية كمثل زعمها أن مملكة سليمان لها ارتباط وثيق بالبحر الأحمر .

وكانت الخطة الصهيونية للنفاذ إلى البحر الاحمر تبدأ باستيطان سيناء والنقب ثم التمركز على سواحل البحر الاحمر وتوجهت جهودهم إلى الدول الغربية لتنفيذ مخططاتهم ومارست الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وقد أثمرت على الجهود إذ أصدر الرئيس الأمريكي ترومان أمره إلى وفد الولايات المتحدة الأمريكية في الامن المتحدة من أجل ادراج منطقة النقب مع جزء من خليج العقبة ضمن حدود لدولة اليهودية .وما أن تولى ديفيد بن جوريون رئاسة الحكومة الاسرائيلية في العام ١٩٤٨ حيث أعلن استراتيجية دولته في البحر الاحمر بقوله”سيطرة اسرائيل على نقاط في البحر الاحمر ذات أهمية قصوى لانه ستساعد اسرائيل من الفكاك في أي عملية احاطتها أو تطويقها كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكرية لمهاجمع أعدائنا في عقر دارهم “

ويمكن القول إن اشتراك اسرائيل مع بريطانيا وفرنسا علم ١٩٥٦ ضد مصر كان في إحدى وجوهه واحدى أسبابه اكمالا لحرب عام ١٩٤٨ فقد هدفت اسرائيل من بين أهداف أخرى كسب إطلالة على البحر الاحمر لتوفير الظروف لإحياء ميناء ايلات لانه كان غير فاعل بسبب إغلاق خليج العقبة وأحكام المقاطعة للعلاقات التجارية الاسرائيلية .
واحدى اهم أهداف حرب ١٩٦٧ هو احتلال سيناء وبالتالي كسب إطلالة على البحر الاحمر والتغليف فيه واحتلال سيناء يعتبر قاعدة الانطلاق .
وفي حرب عام ١٩٧٣ تلقت اسرائيل درست جعلها تعدل استراتيجيتها في البحر الاحمر بعد إغلاق مضيق باب المندب وجعلت اسرائيل تعاني الاختناق وكانت اسرائيل قد أدركت أهمية مضيق باب المندب قبل حرب ١٩٦٧ فكانت تهدد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تهديدات اليمنين بإغلاق المضيق .
جفت أنابيب الضخ وعجزت قدرة الآلة العسكرية الاسرائيلية من الاستمرار في القتال .

بعد الصفعة التي تلقتها اسرائيل بإغلاق مضيق باب المندب سلكت اسرائيل مسارين يعززان هدفها في حماية ملاحتها من إغلاق مضيق بال المندب وهما:
-السعي إلى تدويل باب المندب ومجموعة الجزر العربية .
-تعزيز علاقتها في الدول الأفريقية في حوض البحر مثل ارتيريا واثيوبيا ودعم ارتيريا واثيوبيا بالسلاح والعتاد في صراعاتها :
فعندما حدث الصراع اليمني مع ارتيريا على جزيرة ارخبيل دهاك الغني بالنفط والواقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في منتصف المسافة بين الساحل الارتيري واليمني تقريبا .
بعد تحقق الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠ وانفصال ارتيريا عن اثيوبيا عام ١٩٩٣ عندما قامت القوات الارتيرية من السيطرة على الجزر حينيش عام ١٩٩٥ بعد اشتباكات عنيفة استمرت ثلاث ليال فقد لوحظ تورط الاحتلال الاسرائيلي بمساعدة ارتيريا ضد اليمن فالاسلحة المستخدمة والقوات تم الإعداد لها بمساعدة اسرائيلية واكدت المصادر المتوفرة على وجود 650 خبيرا عسكريا في ميناء مصوغ يشرفون على تدريب القوات الارتيرية .كما قدمت إلى ارتيريا سبعة زوارق سريعة و30طائرة من طراز كسيفر و160دبابة عسكرية من طراز ميركافا وكميات كبيرة من رشاش عوزي كما قام طيار اسرائيلي يدعى “مايكل دوما “بضرب الحامية اليمنية وهذا ما أكده مدير مركز موشيه ديان في نشر طائرات اسرائيلية شرق تركيا وانتزاع جزر حنيش الكبرى بواسطة ارتيريا .
وعلاقة اسرائيل الوثيقة بإثيوبيا فقد حرصت اسرائيل لبناء علاقات وثيقة مع إثيوبيا فقد كان التركيز الاسرائيلي على اثيوبيا اكبر منه على ما سواها من الدول الأفريقية لأن اثيوبيا هي المتكأ الأساسي للتصدي للفكرة التي تدعو لجعل البحر الاحمر بحيرة عربية ..ولأن تستطيع اسرائيل من أديس أبابا توثيق علاقتها بباقي الدول الأفريقية وثمة سبب آخر هو أن ٨٤ بالمئة من مياه النيل ينبع من اثيوبيا فإنها قد تؤثر مستقبلا بمشروعات النيل خاصة لأن اسرائيل لها مطمع كبير في أن تمد قناة من النيل إلى النقب .
وتتمتع اسرائيل حاليا بوجود عسكري في جزيرتي دهلك وحالب
قرب باب المندب .
وقد لوحظ تورط اسرائيل حتى النخاع في الحرب على اليمن من قبل دول التحالف العربي بقيادة السعودية عام ٢٠١٥ منذ البداية ، فالمعلومات تشير أن القنبلة النيتروجينية التي ألقيت على جبل (نقم) في 29 مايو 2015 ، قامت بها طائرتان إسرائيليتان من طراز أف 16 ، وأن هناك سربا إسرائيليا انضم إلى العمليات في اليمن منذ ذلك التاريخ ، وقد شن أول عملياته على معسكر للتدريب في تعز ، بل إن القناة العاشرة الإسرائيلية هي التي قدمت اعترافا مبكرا بأن إسرائيل شريك أساسي في الحرب على اليمن ، وتضمن اعترافها المشاركة بعدد 42 طيارا إسرائيليا وبعسكريين شاركوا في عدة محاور على الأرض ، كان أهمها في باب المندب وفي المخا ، إضافة إلى 70 خبيرا عسكريا وفنيا شاركوا في إدارة غرف العمليات .
غير أن رئيس الأركان الإسرائيلي ( أفيف كوخافي ) تحدث مؤخرا عن الخطر الذي تواجهه إسرائيل مما أطلق عليه ( الدائرة الثانية ) وهو ما تم تفسيره بأنه إشارة إلى اليمن وسوريا ، تأكدت معلومات عن أن الولايات المتحدة ، قد شرعت في بناء قاعدة أمريكية في جزيرة ( ميون ) اليمنية المطلة على باب المندب ، وقد فسرت ( يدعوت أحرنوت ) موضوع القاعدة بأنها ( من أجل حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية ) بينما أكد المصدر نفسه أن ( هناك مصلحة مباشرة لإسرائيل في الحرب في اليمن خاصة بعد التطبيع بين أبوظبي وإسرائيل بشكل علني )
لقد تبين ان على امتداد سنوات أن ما يجري في البحر الأحمر وتخومه الأفريقية في القرن الأفريقي ، وكذلك الآسيوية، إنما يستهدف في النهاية تصنيع مفتاح وقفل كمفصل حاكم بين نصف الكرة الأرضية الشرقي ونصفها الغربي ، وأحسب أن ما جرى ويجري من حرب على اليمن ، لا يخرج في أحد أسبابه عن هذا الهدف ، وما جرى ويجري على امتداد أكثر من عشر سنوات ، كان هدفه هو استحواذ أمريكا على البحر الأحمر ، وتحويله إلى قاعدة وثوب ليس إلى بحر العرب أو هرمز فحسب ، وإنما إلى المحيط الهندي ، والدور الذي تقمصته إسرائيل والسعودية والإمارات ، على امتداد هذه السنوات لم يخرج عن خلق مسرح جديد ، يتم من خلاله تثبيت أقدام أمريكا وإسرائيل في البحر الأحمر ، بعد أن تم فتح بابه المغلق أمام إسرائيل إلى الخليج جنوبا ، بما في ذلك محاولات أثيوبيا للحصول على قواعد في الصومال ، وهي محاولا تجددت مؤخرا رغم أنها ظلت تتوثب لتحقيق ذلك على امتداد سنوات ، يضاف إلى ذلك فائض أرباح أمريكا من الإضرار بصادرات الصين الهائلة عبر البحر الأحمر ، فضلا عن امتدادات مشروع الحزام والطريق ، إن ذلك لا ينفي عنصر الدفاع الأمريكي عن المصالح الإسرائيلية المباشرة التي حاصرها الموقف اليمني بعد أن توقفت 80% من مصانعها ، وانخفضت نسبة السفن التي تصل إلى ميناء إيلات من 200 سفينة شهريا إلى 6 سفن قبل شهرين ، إضافة إلى تكلفة الحرب على غزة التي تتجاوز 20 مليار دولار شهريا .

اعلان امريكيا وبريطانيا الحرب على جماعة أنصار الله :

هل تريد أمريكا أن تعيد اكتشاف المعدن اليمني ، صلابة وقوة وإرادة ، بعد تسع سنوات من الحرب عليه ، وكم تساوي مائة إغارة أمريكية أو ألف إغارة في ميزان ما تلقاه اليمن من إغارات جوية فوق صدره العاري ، بلغت 214 ألف إغارة خلال هذه السنوات ، جرى نصفها على الأقل بينما كانت الطائرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية والإماراتية ، تلعب في سماء مكشوفة ومفتوحة ، دون أثر لعنصر دفاع جوي واحد ، بينما كانت قوة النيران لدى اليمنيين لا تزيد عن منتوج الأسلحة الصغيرة.
لقد فرت المدرعات السعودية والإماراتية ، أمام مقاتلين لا يحملون غير البنادق ، ولا ينتعلون في أرجلهم شيئا ، ويربطون على بطونهم أحجارا ، لأنهم لا يملكون خطوطا للإمداد ، لكنهم استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم ، تحت القصف وبين سعير النيران ، بناء منظومة هجومية من الصواريخ والمسيرات ، لا تمتلكها أغلب الدول في الإقليم.
إن هذا ليس تحليلا للمواجهة العسكرية بين أمريكا واليمن ، ولكن يكفي القول مؤقتا أن البنتاجون يكذب عندما يقول تارة ، أنه أضعف قدرات اليمن العسكرية بنسبة 90% ، وتارة أن الإضعاف لم يتجاوز الثلث ، وتارة ثالثة بأنه مفاجأ بصعوبة الاستدلال على الأهداف ، فالغارتين الأمريكيتين لم تحققا شيئا يذكر ، ليس فقط لأن بنك الأهداف الذي اعتمدت عليه أمريكا ، لم يعد قائما على الأرض ، وليس فقط لأن الجيش اليمني مفعم بخبرة قتال ، هي الأغنى والأثمن ، ولكن لأن اليمنيين ليس لديهم قواعد ثابتة ، حتى يخيل إليك أنهم يحملون صواريخهم على أكتافهم ويتنقلون بها .
إن القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى هي التي قادت الضربات على اليمن ، بأوامر مباشرة من بايدن ، لكن الذاكرة الإستراتيجية الأمريكية ، مسطحة بالفعل ، فخلاياها الحية لم تحتفظ بدروس حروبها الممتدة ، وهي ترتكب الآن على حد توصيف قديم لـ ( أرنولد توينبي ) خطيئة في التاريخ ، أما الذاكرة البريطانية ، فهي لم تقرأ ما كتبه في مذكراته أهم رئيس وزراء في تاريخها ، خلال الحرب العالمية الثانية ، فقد كتب ( تشرشل ) في مذكراته وهو مراسلوهو مراسل صحفي في الحرب البريطانية على اليمن قرب نهاية القرن التاسع عشر ، أهم درس استخلصه من هذه الحرب ، وكان نصه : ” لا تقاتل الجبال والإسلام معا “
ومادام الحديث موصولا بانصار الله ، وبالتالي بالحرب على اليمن ، ومساراتها الممتدة ،كما أن روح اليمن بتراثها الحضاري ، والثقافي ، لم توضع بدورها في ميزان تاريخي صحيح ، فقد مثّلت الحرب على اليمن واحدا من أهم محاور الوصول إلى قمة الانقلاب الإستراتيجي في الإقليم ، كما شكّلت قمة أخرى في الاندماج الوظيفي العسكري ، بين أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات ، لإعادة تشكيل البيئة الإستراتيجية ، حول البحر الأحمر ، وعلى محور البحر الأحمر المحيط الهندي ، من أقصى شمال المحور إلى أقصى جنوبه ، بما في ذلك كافة امتداداته العرضية.
أستطيع أن أعيد التأكيد أيضا ، أن أنصار الله ، وعلى رأسهم قائد ثورتهم عبد الملك الحوثي ، يتمتعون بنزعة استقلالية واضحة .
إن تدخلهم الآن في حرب تبتعد نيرانها عنهم بمئات الكيلومترات ، ليس مجرد تعبير عن مساندة للمقاتلين في غزة ، وليس مجرد تأكيد ، على موقفهم من قضايا العروبة وفلسطين ، وليس مجرد تذكير بأنه بعد شهر واحد من الحرب على اليمن ، كانت غرفة العمليات التي توجه الحرب في السعودية ، تضم عشرين خبيرا عسكريا أمريكيا ، قبل أن تتسع بعد شهر واحد لتضم 42 خبيرا عسكريا ،كان أكثر من نصفهم من الإسرائيليين ، وليس مجرد تنبيه إلى أن ما تتعرض له غزة ، تحت سطوة الطيران الإسرائيلي هو صورة أخرى ، لما تعرضت له اليمن من سلاح جوي هجين ، طالت صواريخه وقنابله الثقيلة كل شئ ، من المدارس والمستشفيات والمباني السكنية ، ومحطات المياه والكهرباء ، والمساجد ، إلى السجون ، ولم يسلم منها حتى النصب التذكاري للجندي المصري المجهول في قلب صنعاء .
إن كل هذه العناصر مجتمعة صحيحة دون شك ، لكنها لا تستطيع أن تخفي الهدف الإستراتيجي اليمني ، من وراء هذه الصواريخ والمسيرات ، وهو على وجه التحديد ، تحدي وكسر نظرية الردع الأمريكية ، التي تغطي فضاء الإقليم ، فهناك عمل يمني تراكمي تم تصويبه في هذا الاتجاه .
لقد سبق وأن ذكرت أن أول طلقة إشارية أطلقتها الولايات المتحدة ، لبناء نواة أـول نظرية للردع في الإقليم ، تمثلت في دورية جوية في سماء الشرق الأوسط ، تضمنت طائرة من طراز B52 تحيط بها ثلاث طائرات من طراز F16 تنتسب إلى ثلاثة أسلحة جوية هي إسرائيل والسعودية وقطر ، مصحوبة ببيان من القيادة المركزية الأمريكية عن مسئولية أمريكا عن – أمن الإقليم – من خلال تطبيق عملي لنظرية الردع ، وقد تم ذلك في يوم 7 مارس 2021 ، لكن ( أمن الإقليم ) و ( الردع ) لم يبق على ثباته من قبل الجيش اليمني ليوم واحد ، ففي اليوم التالي مباشرة 9 مارس 2021 ، انطلقت 14 طائرة مسيرة هجومية متزامنة تقريبا مع 8 صواريخ باليستية ، لتضرب مراكز إستراتيجية وعسكرية وحيوية في عمق السعودية ، كان على رأسها ميناء جسر التنورة شرق المملكة ، إضافة إلى مواقع وأهداف عسكرية بمناطق الدمام وعسير وجيزان ، وكما كان انطلاق صواريخ الحوثيين ومسيراتهم في المرة الأولى ، يشكل في توجهه الإستراتيجي تحديا لنواة بناء نظرية أمريكية للردع في الإقليم ، كان انطلاقها في المرة الأخيرة ، يشكل نفس التوجه في مواجهة سقف الردع الأمريكي الذي اعتلى بالقوة فضاء الإقليم ، يضاف إلى ذلك أن الجيش اليمني قد أدرك يعمق تلك العلاقة المتلازمة بين عنصري ( الوقت ) و ( الردع ) في الحرب على غزة وانتزع وحده المبادرة .

إقرأ المزيد لـ مهيب صدوق ...

أسعار العملات

الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.64

شراء 3.63

دينار / شيكل

بيع 5.13

شراء 5.11

يورو / شيكل

بيع 3.83

شراء 3.8

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 177)