منتدى فلسطين الدولي الثالث في الدوحة
بين طموحات وإمكانيات قطر وعبقرية عزمي بشارة
بقلم : نصار يقين

يُفتتح اليوم السبت الموافق 2025.1.25 منتد فلسطين الثالث في قطر،
وبهذه المناسبة كتبنا :
طموح قطر ولغزها العجيب :
دوما فإن الطموحات الكبيرة تسبق الأحداث الكبيرة، ولقد كان استقلال إمارة قطر السياسي عن بريطانيا في سنة1971، ولم تكد تمر بضع سنوات على الاستقلال حتى أصبحت هذه الإمارة لافتة للنظر في حجم التطورالمادي" العمراني والاقتصادي، والعلمي الذي كان من اشكاله حجم المبتعثين من طلاب قطر إلى الجامعات العربية والأجنبية. هذا في الظاهر المعلن، أما في الجانب غير المعلن، وغير المتداول في الإعلام فكان ذلك الجزء الموجه من الدعوات، لكل انواع الخبراء لزيارة الديوان الأميري في الدوحة للتعرف عليهم والاسترشاد بهم في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية، وفي اواخر السبعينات الذي تصادف مع توقيع معاهدة كامب ديفيد، استضاف أمير الدولة الأول وفارسها الشيخ خليفة بن حمد، مجموعة من المفكرين الفلسطينيين واساتذة في الجامعات الأمريكية للدوحة وكان من بينهم الدكتور فؤاد المغربي، الذي ترأس جمعية الخريجين العرب من الجامعات الامريكية بعد ابراهيم ابو اللغد وإدوارد سعيد، وفي جلسة خاصة مع فؤاد المغربي أذهله سؤال الأمير له، ماذا تتوقع ان يفعله الشعب المصري مع الرئيس السادات بعد زيارته للقدس وتوقيعه معاهدة السلام مع اسرائيل ؟ وقبل ان يُجيب المغربي عاجله الأمير بسؤال ثان : برأيك هل سيقتلونه ؟
لا يهمنا هنا ماذا أراد الأمير الأول " الأمير الجد" من وراء سؤاله، ولكن نلاحظ أن له فراسة عظيمة في مستقبل الشرق الأوسط، وما احتفائه منذ البداية بالمفكرين الفلسطينيين وخاصة المقيمين منهم في الغرب إلا لأنهم الأكثر ألما من واقع الشرق الأوسط والأكثر إحساسا بما يدور في هذه البقعة من العالم واكثرهم اهتماما بالأمر.
قدرات قطر وإمكانياتها العظيمة :
بكل المقاييس فإن قدرات قطر وإمكانياتها هائلة في كل شيء وفي عاصمتها الحديثة تجري خطوط القطار الخفيف على مسارين تزيد عدد محطات الركاب عن عشرين محطة في كل اتجاه، بما يقارب عدد المحطات في عواصم العالم الكبيرة والعريقة لخطوط المترو ، ويزيدها دفء الشتاء قوة ومهابة في استقبال زائريها، ومن ينزل في فنادقها وقاعاتها المتعددة ومرافقها لا بد أن يُذهل من عظمة ما يرى في هذه الإمارة والدولة الفتية، وفي فندق شيراتون" المهيب" بالدوحة يزداد ذهول النزلاء من كل ما يرون، في هذا الفندق كانت الجلسة الافتتاحية الأولى في المنتديين الأول والثاني وستكون ايضا في المنتدى الثالث، في نفس القاعة الكبرى " قاعة المجلس" التي يلقي فيها عزمي بشارة محاضرة افتتاح المنتدى.
د.عزمي بشارة :
قبل أكثرمن عشرين سنة، وفي لقاء مع نخبة من المثقفين الفلسطينيين اجتمعوا لاستقباله في قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله " قال ليت المصريين هاجموا اسرائيل في السابع من تشرين الأول / أكوبر 1973 وليس في السادس منه الذي وافق يوم غفرانهم، وذلك إدراكا منه لتفاصيل الحياة في المجتمع الإسرائيلي في هذا العيد وأيضا في اليوم التالي له، وذلك بسبب معرفته، بسهولة استدعاء المجازين والاحتياط من العسكريين يوم الغفران في ساعاته الدينية الأولى للعودة الى الجبهة، قبل تفرقهم في ايام العيد الأخرى لأغراض كثيرة.
في كلمته الطويلة في افتتاح المنتدى الثاني، التي كانت غنية جدا بالمصطلحات الفلسفية التي تخدم تشخيص أبعاد سياسية عجيبة في تداخلات القضية الفلسطينية مع قضايا إقليمية ودولية حساسة جدا، تجعل منها أعقد القضايا أو أم القضايا، أعاد على مستمعيه جدلية " لو" وقال بأنها لا تصلح للمعالجات التاريخية ولكنها ضرورية جدا للمستقبل، أراد من ذلك أن يعطي درسا لكل من لا يحسب بدقة ولا يخطط بعقل ويعتمد الغيبيات. وهو الذي سبق ان جاء الى جامعة بيرزيت، متطوعا أو بأجر رمزي، ليشحن طلابها بالغضب على الاحتلال وافعاله بعد أن فهم تماما كنه ومضامين سياسات العدو التي تحكم أفعاله وسلوكه المجرم على ارض فلسطين، وهو الذي وقف بقوة واسهم في توجيه القيادات الشبابية بالمخفي والمعلن لتوسيع مساهمات مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الشعبية.
إبان الحرب على لبنان في سنة2006 وقف بقوة الى جانب المقاومة اللبنانية، ووقف بسخط وغضب في برلمان العدو لتقريع أفعال الساسة الإسرائيلين، وإفحام أعضائه الذين كانوا يريدون مواجهته، ولكن في كل الأحوال كان يتفوق عليهم بصوته الغاضب المدرك لحقوق شعبه وعدالة قضيته، والمنتمي بصدق لوطنه الجريح، فاستحق بذلك مطالبات مستميتة من المجتمع الاسرائيلي لنزع الحصانة البرلمانية عنه بتهمة مساعدة العدو أثناء الحرب، وهذا كان قبل ان "يرتقي" سلوك اسرائيل الى القتل العلني للمناوئين.
أذن هي عقلية المواطن الفلسطيني المولود في الناصرة في سنة مذبحة كفر قاسم وسنة العدوان الثلاثي على مصر، بعد ثماني سنوات من نكبة فلسطين ونكبة العرب في 1948، وهو الطالب الذي اسس اللجنة القطرية لطلاب المدارس الثانويين داخل فلسطين "السليبة"، قبل أن يذهب الى الجامعة التي يشكل الطلاب اليهود 95% من مجموع الطلاب، فكان عليه ان يتفوق عليهم في لغتهم أيضا كي يخرق فكرهم ويفضح أدبهم وجرائمهم.
في المنتدى الأول، الذي عُقد في نهاية كانون الثاني 2023، تطرق الى العلاقة بين الخطاب الأكاديمي بشأن فلسطين والتأثير في صُنع القرارات، وضرورة وجود إطار عام يجمع الفلسطينيين في شتى أماكن وجودهم، بهدف فتح سجل التواصل بينهم وبين مختلف الناشطين والباحثين في الشأن الفلسطيني، بما يؤسس لحوار عقلاني منتظم ومسؤول، يتصدى لمختلف الأزمات التي يواجهها الشعب الفلسطيني وخاصة أزمة المشروع الوطني المشتت، في المنتدى الأول أراد في كلمته الجامعة/ المحاضرة فتح فرص التشاور في الأروقة بن الباحثين وبين الدراسات المنجزة، للوصول الى فهم عام بين كل هؤلاء، واوصى الباحثين والمراقبين بضرورة رصد المحاولات المتواترة لتسلل أفكار صهيونية الى مقاربات عامة الناس لتاريخ فلسطين عموما وتاريخ الصراع على أرضها، وتشويه قيم التحرر ومقاومة الاستعمارفي الثقافة العربية، بعد ذلك انتقل إلى مسالة حضورفلسطين على مستويي الفعل السياسي الرسمي والرأي العام العربي.
في المنتدى الثاني الذي بدا في العاشر من شباط 2024 في ذروة العدوان المجرم على قطاع غزة، استخدم بغضب مصطلحات فلسفية في السياسة وعلم الاجتماع، وكأنه اول من ترجمها من غرابتها وفرادتها، واصفا المجتمع الإسرائيلي بالقبيلة الواحدة، المتعصبة لكل ما تعتقد، رغم تناقض ذلك مع المنطق وكل التصورات العقلية بعمى وتعامي عن حقوق غيره، واضاف بان هذه "القبيلة" تحمل ثقافة مقلوبة، وعقلية إحلالية ترى في كل ما تتنازل عنه بسبب استحقاق مفاوضات أو ضرورات سلام لأمنهم فقط، ترى في ذلك تسامح الدخيل مع الأصيل!! وان هذه الدولة أو هذه القبيلة لا يوجد عندها اي حرج في ممارسة كل أشكال العقوبات الجماعية للرد على أي شكل من أشكال التمرد، يصل إلى هدم منزل الأسرة الأولى وما جاوره أو التصق به من بيوت الآخرين، ومنع أهل المدينة أو القرية من مغادرة أماكنهم، ومنعهم من العمل وقطعهم عن العالم وتجويعهم. وبالمقابل أخذ جميع أشكال التعبئة العسكرية والمخابراتية ضدهم لمواجهة اي خطر حقيقي او مزعوم، ثم إطلاق العنان للعسكريين والمستوطنيين بفعل وممارسة كل أشكال الجريمة بغير حساب أو عقاب.
في جدول اعمال المنتدى الثالث لسنة 2025 الذي يتالف من اربع مسارات وعشرات الكلمات والأبحاث على مدار ثلاثة ايام كاملة من أول النهار حتى ساعات متاخرة من الليل ، سوف يستمع الحضورلمفكرين جدد ومفكرين من الذين تحدثوا في المنتدى الثاني، من الفلسطينيين والعرب والأجانب، ومن ضمن هؤلاء سوف تكون في الجلسة الأولى كلمة معين الطاهر بعنوان : طوفان الأقصى وتداعياته : محاولة للفهم. وفي الجلسة الثانية التي سيرأسها عصام نصار، سوف تكون كلمة للباحث بلال شلش بعنوان فصل الخطاب: بريطانيا اصل الداء. وفي الجلسة الثالثة من اليوم الثاني وعلى المسار الأول، سوف تكون كلمة ليلى فرسخ على المسار الأول بعنوان : التحرر السياسي الفلسطيني بعد الحرب على غزة، فيما ستكون على المسارالرابع جلسة كاملة بعنوان : القدس وسياسات المحو والمقاومة يرأسها مجدي المالكي، تبدأ بكلمة : تشكل القدس العربية ورواية مطار القدس / قلنديا ثم كلمة الباحث داود الغول بعنوان : إعادة تشكيل جغرافيا القيادة السياسية في القدس، يتبعها كلمة صونيا نجار المجتمع المدني الفلسطيني والعواطف والصمود تحت الاستعمار الاستيطاني – حالة وادي حلوة، واخيرا في نفس الجلسة كلمة ثائر هستنجس بعنوان، العيش غير المشروع " الأدلة والممتلكات والحوس في القدس. وفي الجلسة الخامسة من اليوم الثاني التي سيرأسها رشاد توام بعنوان : الحرب على الضفة وآليات السيطرة الاستعمارية، سوف تكون كلمة ابراهيم ربايعة ولورد حبش بعنوان : البنية التحتية سلاحا : السلوك الاستعماري الاسرائيلي وتحولاته في جنين، ثم كلمة آيات حمدان بعنوان : حرب اسرائيل على مخيمات اللاجئين في الضفة الفلسطينية – الاستعمار الاستيطاني وعقيدة الانتقام. وفي آخرجلسات المنتدى في يومه الثالث والأخير، سوف تكون كلمة الباحث والمفكر الكبير ماهر الكرد، المتخصص والمتتبع لمسؤوليات اسرائيل عن التعويضات الاقتصادية وخصوصا الناجمة عن الجرائم الاسرائيلية بحق الفلسطينيين بعد الحرب الأخيرة التي بدأت في أكتوبر2023 وجديربالذكر أن كلمة الكرد في المنتدى الثاني كانت لافتة جدا في آليات المواجهة المٌتاحة بيد الفلسطينيين في الحرب الاقتصادةية المفتوحة مع العدو. وفي نهاية المنتدى سوف تكون مائدة مستديرة يديرها أندريا تيتي حول الاقتصاد والإدارة يتحدث فيها وليد حباس ورجا الخالدي وطاهر اللبدي وآخرون.

.