لم يكن طريق المخرجة الفلسطينية امتياز المغربي معبداً بالورود أمام تحقيق حلم طفولتها، بل واجهت عقبات كثيرة بهمة عالية عاشتها بين براثن الشقاء والفقر، وصنعت منها حكمة تنير دربها لا تثني إرادتها، لتصير صحافية بعد أن اتبعت أشواق فطرتها، ثم سارت بخطوات كبيرة نحو هدفها وحوّلت معاناتها إلى نجاح باهر في إخراج الأفلام المتميزة التي تسرد حكايات شعبها وآلامه لمختلف شعوب العالم.

وتمتلك امتياز المغربي التي تنحدر من مخيم بلاطة شرق نابلس، مهارات مهنية وإبداعية مدهشة في إنتاج الأفلام وإخراجها والتصوير والإضاءة، فهي مُدربة وكاتبة سيناريو، وفي جعبتها كثير من الأفلام الوثائقية والروائية التي تسرد الواقع المأساوي الذي عاشته مع أبناء شعبها في ظل الاحتلال الاسرائيلي وممارساته المجحفة بحقهم، بالإضافة للقضايا الاجتماعية المتنوعة والحساسة التي تتحدث عن المرأة والطفل والإدمان والنضال بكافة جوانبه المشروعة.

وتروي المغربي لـ"القدس" دوت كوم، كواليس أبرز أفلامها منذ دخولها عالم الإخراج بعد أن أمضت سنوات عدة في العمل الصحفي، منها فيلم "مناضلات" الذي يسرد قصة ثلاث فلسطينيات أُسرن وتحررن قبل الإنتفاضة الأولى عام 1987، وفيلم "نور" الذي يعالج قضية إدمان المخدرات وإمكانية العلاج، حيث تم تصويره مع أحد المدمنين  بالتنسيق مع الجهات المختصة بذلك. وحينها تعرضت المغربي وطاقم التصوير للتهديد بالقتل، حيث كانوا يذهبون لأحد الأوكار التي يجتمع فيها متعاطو المخدرات وبائعوها.

وتقول أنها عاشت مغامرات صعبة أثناء محاولتها تصوير فيلم عن قريتها سلمة المهجرة قضاء يافا، متخطية الحواجز الاحتلالية في شهر رمضان المبارك، حتى وصلت إلى يافا وصوّرت مقاطع الفيلم عبر جهازها الخلوي، وكذلك فيلم "الخان الأحمر" الذي يوثق التهجير القسري للسكان البدو في الأغوار الفلسطينية، وما تعرضت له النساء البدويات من اعتقالٍ وضرب عند محاولتهن الدفاع عن أطفالهن وعائلاتهن، حيث توجهت المغربي وحدها لموقع التصوير وسلكت درباً فارغاً بين الجبال الشاهقة حتى تفاجأت بمركبة لقوات الإحتلال، إلا أنها واصلت طريقها حتى وصلت إلى المكان المحدد رغم كل التحديات، من أجل نقل صورة هذه المعاناة للعالم.

وحصدت المغربي أول جائزة دولية عند عرضها فيلم "علوش" في مهرجان الاسكندرية السينمائي، وقد وثّقت فيه تفاصيل جريمة حرق الرضيع علي دوابشة وعائلته على يد المستوطنين في قريته دوما جنوب نابلس منذ سنوات، حتى لا ينسى العالم هذه الجريمة البشعة التي آلمته لحظة وقوعها، وفضح ممارسات الاحتلال وانتهاكاته المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني.

وقد انتبهت المغربي لقضية خطيرة في الأغوار الفلسطينية، حيث يتعرض المواطنون هناك لإصابات بليغة أحيانا تودي بحياتهم نتيجة القنابل والألغام التي يخلّفها جيش الاحتلال بعد إنهاء تدريباته العسكرية بجانب المدارس ورياض الاطفال وأراضي الفلسطينيين، وعليه قررت تصوير فيلمها "موت مؤجل" وكان بطله طفلا تعرض لانفجار قنبلة فسفورية من مخلفات الاحتلال.

وتقول المغربي: "مؤخراً عرضتُ فيلم "ميلاد" الذي يعالج قضية تهريب النطف بأبعادها المختلفة وفيه قابلت زوجات الأسرى اللواتي قمن بهذه التجربة وأطفالهم الذي أنجبوا بهذه الطريقة، كما تحدثتُ فيه عن قصص أسرى آخرين، منهم اسراء الجعابيص وأحمد مناصرة، حتى يكون الفيلم متكاملاً ويوصل رسالة واضحة من شأنها ضحد رواية الاحتلال"، مبينة أن الفيلم لاقى إعجاباً كبيراً لدى مشاهديه من مختلف الدول.

وتتابع: "وفي الفيلم الوثائقي "التغطية مستمرة" عالجتُ قضية الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون من مختلف الجوانب، فهو يسرد قصة الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة وعدداً من قصص الشهداء الصحفيين، منهم محمد ابو حليمة من مخيم بلاطة، والصحفي نزيه دروزة، والصحفي فضل شناعة من قطاع غزة الذي استشهد أثناء التغطية، بالإضافة لقصص الصحفيين الذي أُصيبوا برصاص جيش الاحتلال، كما تخلل أرشيفه قصص الصحفيَين غسان كنفاني وناجي العلي اللذين تم اغتيالهما".

كما حصلت أفلامها على سبعة جوائز دولية، منها اثنتان خلال مهرجان الاسكندرية لدول البحر الأبيض المتوسط، وقد عُرضت جميعها في مختلف الدول العربية والأجنبية، منها: دبي وبنغلادش والسويد وبغداد، وغيرها من الدول، حيث كانت تشارك بالعديد من مهرجانات الأفلام الوثائقية.

وتطمح المغربي بأن تكون مؤثرةً وتساهم في تغيير نظرة المجتمعات الأخرى للفلسطينيين، وتوصل رسالة شعبها ومآسيه للعالم أجمع، عبر أفلامها ذات الأفكار المتميزة التي تخاطب المواطن الفلسطيني وما يتعرض له في حياته اليومية، متأملة أن تأخذ السينما هذا المنحى وتبتعد عن مخاطبة المسؤولين بشأن القضايا الخاصة بالناس.

وتحثُ النساء على السعي وراء أحلامهن دون استسلام، فلا أحد يمكنه أن يقف أمامهن، مشجعة من يرغبن من الفتيات وطالبات الجامعات بأن يسلكن هذا الاتجاه، والتعلم واكتساب مهارات الإخراج والإنتاج والتصوير للإرتقاء بواقع السينما الفلسطينية، فقضايا مجتمعنا بدلاً من أن توثق في فيديوهات مبعثرة يمكن إنتاج وثائق متكاملة منها، تظل لسنوات عديدة وتمثل مراجع مهمة يستفيد منها الأجيال.

يشار إلى أن المغربي، عملت على صقل موهبتها بذاتها، ونشأت على حب مطالعة الكتب والروايات رغم أنها لم تكن مجتهدة في المدرسة. ولم يحالفها الحظ في الحصول على شهادة الثانوية العامة في المرة الأولى، وحاولت في المرة الثانية من خلال الدراسة الخاصة، لكنها فشلت مجددا، ولمتوفق إلا في المرة الثالثة. وتعلل المغربي هذا الاخفاق بأنها كانت تواجه ظروفا عائلية صعبة، إذ أنها الابنة الكبرى بين تسعة أبناء، وكان عليها أن تعمل لمساعدة والدها الأمر الذي شغلها كثيرا عن الدراسة.

عملت المغربي في المجال الصحفي وهي في السابعة عشر من عمرها، لتدخل إلى عالمها الذي طمحت به عندما كانت على مقاعد الدراسة، ثم انتقلت إلى رام الله للبحث عن عمل آخر في هذا المجال، رغم أنه كان أمراً مرفوضاً لدى عائلتها لأنه يتعارض مع العادات والتقاليد في المجتمع. والتحقت بجامعة القدس المفتوحة (تخصص إدارة ألأعمال واقتصاد) بعد مسيرة متواصلة من العمل الصحفي.

وقالت إنها اختارت هذا التخصص، رغم انها لا تحبه، وذلك لان تخصص الصحافة غير مدرج ضمن برامج الجامعة. وبعد التخرج واصلت عملها الصحفي، إلى أن امتهنت خلال السنوات الاخيرة مهنة الاخراج.