أقلام وأراء
الأحد 30 أكتوبر 2022 12:17 مساءً - بتوقيت القدس
عن النقابات وديمقراطيتها وهويتها الوطنية
بقلم:نهاد أبو غوش
ثمة إشارات تدعو للتفاؤل وتنبئ بإمكانية تعديل القرار الإشكالي بشأن نقابة الأطباء على نحو يحفظ الحقوق الديمقراطية والمهنية والصحية للأطباء وللمجتمع الفلسطيني بشكل عام، فالمشكلات والمخاوف التي أثارها القرار بقانون لحل النقابة القائمة وتأسيس نقابة جديدة، أكبر بكثير من الحلول التي سعى لإيجادها، فقد أثار هذا القرار جدلا واسعا وخلافات عميقة في المجتمع الفلسطيني في ظل ظروف حرجة كان الفلسطينيون أحوج ما يكونون إلى التضامن والوحدة لمواجهة الهجمة الإسرائيلية المسعورة على مدينة نابلس وعلى كل مظاهر المقاومة ورفض الاحتلال.
كان لافتا الانقسام المسبق بين مؤيدي القرار ومعارضيه، فمعظم القوى السياسية والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني وبخاصة المؤسسات الحقوقية رفضت القرار لكونه يشكل انقلابا على عملية ديمقراطية جرت قبل خمسة شهور فقط، وجاء من دون التشاور مع الأطباء وممثليهم ولا مع القوى السياسية والمجتمعية، كما مثّل تدخلا عنيفا في شؤون نقابة مهنية عريقة، وانحيازا لطرف نقابي وسياسي سبق له المشاركة في انتخابات النقابة عينها، ضد الطرف الآخر الفائز في الانتخابات. وفي المقابل وجد القرار من يؤيده بحجة "فلسطنة" النقابة، والانحياز للمواطنين وحق المرضى في العلاج أمام "تعسف" النقابة في لجوئها المتكرر لقرارات الإضراب.
الهوية الفلسطينية للنقابة، ومع التأكيد على وجوب إيجاد حل نقابي ووطني للعلاقة بين جسمي النقابة في غزة والضفة بما فيها القدس، فإن إشهار هذه الحجة لم يكن سوى ذريعة لتمرير التدخل في شؤون النقابة والانقلاب عليها، وإلا فأين كان هذا الشعار على امتداد 28 عاما من عمر السلطة الفلسطينية، و34 عاما مرت على قرار فك الارتباط؟ أين كان هذا التوجه حين كان القائمون على النقابة من حزب السلطة، وبعضهم ممن وردت أسماؤهم في القرار الأخير لهيئة تأسيسية للنقابة الفلسطينية؟ وهل جرى فعلا التدقيق في التبعات السياسية والقانونية والحقوق المالية والتقاعدية للأعضاء؟ وماذا بشأن أطماع الاحتلال في مؤسسات القدس وقيامه بإغلاق المؤسسات والسطو على كل ما هو فلسطيني، وأخيرا وليس آخرا: إذا كان الفلسطينيون جميعا قد ارتضوا بوعي وثقة ائتمان الأردن وقيادته الهاشمية على أقدس المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فهل تثلم هويتهم الوطنية أو تتأذى إذا ما تأجلت قضية حسم العلاقة بين بعض النقابات الفلسطينية والأردنية، والكل يعلم الدور الوطني الشجاع والمميز الذي لعبته النقابات المهنية الأردنية عبر تاريخها في دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ومساهمتها في تأمين صموده.
وما يزيد القلق بشأن مستقبلنا السياسي والاجتماعي، أن القرار المتعلق بنقابة الأطباء، جاء في سياق سيل لم يتوقف من القرارات بقانون والتي بلغ عددها أكثر من 350 قرارا تشمل كل مناحي الحياة، وهذا التوسع في إصدار القرارات بقانون وحسم جميع الخلافات والقضايا المثارة بمراسيم رئاسية جاء في ظل تغييب المجلس التشريعي، وعجز القوى السياسية عن التأثير، مع أن النص الدستوري الذي يمنح الرئيس صلاحية إصدار قرارات بقانون، يربط هذا الإجراء ب"حالة الضرورة القصوى التي لا تحتمل التأجيل" وهو شرط غير متحقق في معظم الحالات التي جرى فيها إصدار هذه القرارات.
أدى هذا الوضع إلى مركزة جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بيد الرئيس، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السيد الرئيس مثقل بالهموم والمشاغل الوطنية الكبرى التي تستأثر بجل وقته واهتمامه، من هجوم إسرائيلي شامل لتصفية حقوقنا الوطنية إلى وضع دولي معقد تستثمره دولة الاحتلال للاستفراد بنا، إلى وضع عربي مفكك ومنقسم إلى محاور وعاجز عن دعمنا هذا إذا لم يتواطأ مع عدونا، إلى انقسام داخلي طال وبات يهدد بالتحول إلى انفصال، إلى أزمات داخلية معيشية وأمنية، إزاء كل ذلك فإن من المستحيل أن يجد الرئيس الوقت الكافي للتدقيق والتمحيص في مختلف هذه القوانين وصياغاتها، وبالتالي تصبح مهمة صياغة هذه القوانين وتفصيلها هي مهمة الدائرة المحيطة بالرئيس والتي يبدو أنها باتت تستسيغ الحلول محل كل مركبات المجتمع من قوى سياسية واتحادات شعبية ومؤسسات منظمة تحرير إلى المجتمع المدني وصولا للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
ليس بالضرورة أن نتفق مع نقابة الأطباء ونوافق على جميع قراراتها كي ندافع عنها، فكثير من هذه القرارات وخصوصا الإضراب عن العمل كانت حادة وإشكالية وتسببت بمعاناة فئات هي في الأصل ضعيفة ومهمشة وتحديدا المرضى والفقراء، ولعل هذا الأمر، أي لجوء النقابة للإضراب، يتطلب نقاشا موضوعيا وهادئا ، وهو مماثل للنقاش الذي تثيره إضرابات المعلمين اثر نزاعاتها مع وزارة التربية والتعليم والحكومة، يقودنا ذلك إلى ضرورة إيجاد مواثيق شرف ومدونات تحمي حقوق المواطنين والمرضى والطلاب وكل الفئات المتضررة من الإضرابات، فنزاعات هذه النقابات هي مع الحكومة وليست مع جمهور المستفيدين من خدماتها، لكن احترام استقلالية نقابة الأطباء وسائر النقابات وعدم التدخل في شؤونها يبقى حقا رئيسيا من حقوق الإنسان الفلسطيني كل في نقابته وإطاره التمثيلي، ومبدأ من المبادئ والثوابت الرئيسية التي لا ينبغي التفريط بها أو التنازل عنها إذا أردنا الحفاظ على مجتمع فلسطيني قوي ومتماسك قادر على الصمود في وجه مخططات الاحتلال.
ثمة الكثير مما يستحق النقاش بشأن النقابات، ولعل أهم ما ينبغي التركيز عليه هو ضرورة الموازنة بين السياسي والنقابي المطلبي في عمل النقابات، فلسنوات طويلة طغى السياسي الوطني على المطلبي، ولعل ذلك نشأ من انخراط كل مؤسسات مجتمعنا في صياغة الهوية الوطنية تحت رايات منظمة التحرير الفلسطينية، لكن الأمر ينقلب أحيانا إلى تحويل النقابات والاتحادات إلى ساحة صراع حزبي فئوي مقيت لا يريد من النقابات سوى أن تكون واجهة سياسية ودعائية للحزب الذي يقودها، وليست مؤسسة نضالية من أجل حقوق أعضائها ومصالحهم.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
عن النقابات وديمقراطيتها وهويتها الوطنية