أقلام وأراء
السّبت 06 أغسطس 2022 10:49 صباحًا - بتوقيت القدس
احتكار الإسلاموية ورحابة الاسلام
بقلم:بكر أبوبكر
في إطار ندوة هامة قادها الاعلامي المميز نزار الغول ضمن برنامجه "ندوة" في فضائية فلسطين، دار الحوار عن موضوع الاسلام السياسي أو الاسلامويين. وكانت مداخلات الأساتذة المتدخلين جميعًا ثرية من د. عبدالمجيد سويلم، ود. أحمد رفيق عوض والأستاذ أنور رجب، ولي كانت مداخلة احاول ان اطل عليها هنا.
تتداخل في الذهن دومًا خمسة مصطلحات هي: الاسلام والأسلام السياسي والإسلامي/الاسلامية، والاسلاموية وفكرة الصحوة والأحياء الاسلامي، فتضعف المعاني واحيانا تندمج لتعطي قداسة مفتعلة بين الفكرة ووعائها ومصدرها بقصد.
الاسلام دين توحيدي وهو خاتم الأديان والرسالات كما نرى نحن المسلمين عامة، ويتشكل من العقائد والعبادات والقيم والأخلاق، ثم المعاملات او السلوكيات والقضايا الحياتية حيث الشرع وفق مصلحة الناس.
أما الاسلامي فهو كل مسلم، إذ أن كل مسلم فهو إسلامي مهما كان حجم اقترابه من الدين (بمظاهره التي يتعاطاها الناس أي العبادات) ومهما كان رأيه السياسي ليأتي هنا الاسلاموي ليعني الوعاء الفكري أو الوعاء التنظيمي الذي يفترض بذاته الحقيقة المطلقة فيخص ذاته بها ويقصي الآخرين عنها، ضمن فكرة المعسكرين او الفسطاطين القطعية داخل ذات الامة المسلمة او المجتمع المسلم.
كان أول استخدام لكلمة إسلامي قد جاء عام 300 هجري (تقريبا 900م) من قبل أبو الحسن الأشعري في كتابه عن تيارات الفكر الاسلامي او الفرق الدينية فيما عنوانه: مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين، ليشمل كل المذاهب على تعددها واختلافها وتكفير بعضها للآخر، أي اعتبرهم كلهم إسلاميين، واضعًا قاعدة (من صلى الى قبلتنا فهو منا ولا نكفره) وفي هذا التعريف الاول للاسلامي ما يمنح التعددية الفكرية مساحتها الواسعة التي تتعاظم فوق ضيق المساحات بين الفِرَق أو التيارات من جهة واليوم بين عديد التنظيمات الاسلاموية.
تعريف الاسلام السياسي يرجعه العديد لفكرة الأصولية الاسلامية أو الماضوية الاسلامية فيما هو العودة للجذور أو الإحياء الديني وهي مفاهيم مختلفة طرحت في مراحل متنوعة.
فحين انتقل الشيخ محمد عبده وجمال الدين الافغاني في الأمة من ضيق الجهالة الى نور العلم وعوامل الجمع العقدي والقيمي كانت الدعوة الاحيائية لوحدة الامة ما هي فكرة شمولية عامة لم يتم تضييقها في إطار جماعة أو تنظيم محدد دون غيره، وهو ما كان من قبل حسن البنا الذي ربط الفكرة بشخصه وشخوص الحزب ضمن الدعوة المنسوبة لتنظيمه أي الاخوان المسلمين.
يعد حسن البنا من أوائل من موضعوا الفكرة ذات البعد الاسلامي المناهض للغرب في إطار منظمة (تنظيم) اجتماعي/سياسي/ديني مختلط، وإن تحول مع الزمن لما يشبة الطائفة المغلقة على ذاتها، ولكنه أي البنا نظر الى واقعه العربي والمصري والاسلامي المتردي في ظل الهجمة الاوربية المسيحية الاستعمارية بداية القرن العشرين فكان البناء الذي اتخذه مقاومًا للغزو الغربي.
لا أقبل تعريف أو مصطلح "الاسلام السياسي" ما يثير بالنفس فكرة تقسيم الاسلام الى سياسي او اجتماعي او اقتصادي او اسلام النخبة واسلام العامة...الخ، لأن الاسلام واحد، وإنما الأفهام هي المتعددة بمعنى أن التعدد مرتبط بفكر الناس، بالناس، وليس بذات الدين لينسب له.
فالقول إسلامي حين التفكير المستقل ذو المرجعية القيمية او المسلكية أو العقدية...الخ القرآنية يعتبر إسلامي نعم، وحين يكبل رأيه بسلاسل حديدية مفترضًا صحتها المطلقة وتقديسها فهو إسلاموي يخص ذاته بالصواب وينفيه عن المسلمين غيره (سواء كشخص او جماعة دونًا عن غيره وربما عن سائر المجتمع أو الامة).
تاه الغربُ او تعمد تتويهنا ما بين مصطلحات الأصولية الاسلامية، ثم اختياره مصطلح الاسلام السياسي ليكون الارتباط بالدين، حين عرض الفكرة عائدًا على ذات الاسلام بمعنى أنه عندما يقولون بسوء أو وحشية فعل محدد او إرهاب الاسلام السياسي تعود الصفة على ذات الاسلام في ذهن المتلقي، وليس على صاحب الفعل أوالفكرة المرفوضة او الجماعة ما هو إسقاط نفسي مناهض للأمة ومقصود بوضوح.
إن كل الأمة مسلمين إلا من أبى فهذا شأنه. بغض النظر عن نِسَب اسلامهم او منطق التوصيف أي استنادا للعقيدة او الاركان او القيم او المعاملات، ولذلك فهي أمة إسلامية، ودول إسلامية كما تعرف نفسها.
ولسنا هنا بمجال نقاش التعارض الذي يراه البعض بين فكرة الاسلامية من حيث هي فكرة ذات مرجعية محددة وبين العلمانية او المدنية أو الديمقراطية أو القومية او الوطنية، حيث تاهت التنظيمات الاسلاموية ردحًا طويلًا من الزمن بين المصطلحات، فكفرت كل المفاهيم أعلاه حتى اكتشفت أن هناك تعريفات اخرى غير تلك الثابتة عندها، وبعد معارك عدة امكانية التقبل لها ضمن رحابة مفاهيم الإسلام وقيمه وحضاريته فتم الفصل بين ما يسمونه العقدي او الدعوي وبين المتغير السياسي، وإن لقي العنت من كثير ضمن التيارات "المعتدلة" حتى اليوم.
كل دين او طائفة او ملة فيها من التعددية بالافهام ما يجعل للمصطلح أو الفكرة تعريفات مختلفة والاتفاق عليه قد يشكل بداية التفاهم والاختلاف عنده قد يظل عائقًا كبيرُا وهكذا الحال بمن يمتلكون مرجعيات مختلفة لن يصلوا لاتفاق لأن منابع شربهم ذات ألوان مختلفة.
المصطلح بمعنى "الاسلام السياسي" يرجعه البعض لمؤتمر عقد في اميركا عام 1994م حول خطر الاسلام السياسي على شمال إفريقيا، ويراه البعض الآخر بمنطق الإحياء الديني في مواجهة الغرب من أيام الافغاني-عبده، وقد يراه الثالث منذ اواخر السبعينيات ومع ظهور التيارات المتطرفة المنفصلة او المنبثقة عن الاخوان المسلمين في مصر وبالهام كتابات المودودي وقطب ذات البعد التجهيلي للآخر
يفتخر بعض الإسلامويين دون وعي بالمصطلح اي "الاسلام السياسي" ليفترضوا تميزهم به-مايجذب الناس لارتباطه وعيًا بكلمة الاسلام- فهو يدعو للاسلام باعتباره نظام سياسي اقتصادي اجتماعي لكن الحقيقة لم تظهر أية دراسات جادة أو تطبيقات عملية حديثة ومميزة تؤهل لوصف نظام ما سياسي أو اقتصادي انه إسلامي، رغم أن فكرة الاسلام الحياتية السياسية هي مصالح الناس وتحقيق العدالة.
الوضعية السائدة لدى عديد التنظيمات الاسلاموية هي دمج الفكرة المستندة للعقيدة بالفكرة المستندة للحياتي-السياسي أي دمج او استخدام العقدي الثابت للتنظير السياسي-الحياتي المتغير وبالطبع وفق مصلحة الشخص او التنظيم، ما هو استغلال مجحف للدين بالحقيقة. فيتم إسقاط قداسة العقيدة الدينية على صاحب الرأي السياسي-الحياتي وكأنه والعقيدة واحد رغم الفرق الشاسع بين المعتقدات والمعاملات وعليه تصبح الفكرة المقدسة تنتقل بالإيحاء أو الإسقاط للشخص او التنظيم ومن ثم بممارسات التنظيم صحت او فسسدت لتصبح مقدسة.
عمومًا مما لا شك فيه أن الفكر الاسلامي، نقول هنا إسلامي، والتنظيمات الاسلاموية لاتتشابه في كثير من الطروحات أقصد بين الدعوي التبشيري البحت، وبين السياسي والحركي وبين القتالي، او بين القطعي وذاك التجريبي، وبين الديمقراطي وبين مازال يكفر الديمقراطية فندخل على خط السلفية والأخوان المسلمين وحزب التحرير وغيرها، وإن كان جل الحديث متمحور حول التنظيم الاكثر ثقلًا أي الاخوان المسلمين.
المشكلة البارزة التي لطالما تحدثت عنها هي في التعبئة الداخلية المؤدلجة التي تجعل من الدعوة او الجماعة الإسلاموية أو المؤدلجة عامة متميزة بذاتها ما يولد الاحتضان للفكر الاقصائي والعدوانية ضد الغير والمجتمع.
مازال الفكر الداخلي التعبوي الحصري بكتبه القديمة، وطرق التربية التوظيفية السياسية، واستشهاداته دون نقد او تطوير، وصل اليه عديد من قيادات هذه التيارات ولم يستطيعوا، أو ربما لم يريدوا عكسه داخل التنظيم/الجامعة/الحزب لأسباب أنها تمكن من الولاء والطاعة بعيدًا عن النقد والحوار.
فكرة الاسلامية مقابل الوطنية او الاسلامية مقابل القومية على سبيل المثال في فلسطين (القوى الوطنية والاسلامية) هي فكرة لا أستسيغها فالإسلامي او من يرى نفسه إسلامي هو بالضرورة وطني بمنطق الحيّز الوطني الترابي فلا داعي لإضافة حرف الواو بالقول والاسلامية ليبرز السؤال إذن لماذا يصرون عليها؟ لأقول من اجل التمايز عن غيرهم. ففي ظلال ما هو مستقر في وعي الكثير من الجماعات الإسلاموية أنهم مختلفون بالمشروع والفكرة والمعسكر عن الآخر حيث أنه من حيث التسمية يعلنون ابتداءً أنهم لا يقبلون أن ينخرطوا ضمن الآخرين.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
ماذا يقول القانون الدولي عن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
الأكثر قراءة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 80)
شارك برأيك
احتكار الإسلاموية ورحابة الاسلام