أقلام وأراء
الأحد 19 يونيو 2022 9:54 صباحًا - بتوقيت القدس
خلفيات التوحُّش الإسرائيلي
بقلم:نهاد أبو غوش
أضاف تقرير ال"واشنطن بوست" الأميركية مجموعة من الأدلة الدامغة التي تدين إسرائيل في جريمة اغتيال الصحفية الشهيدة شيرين أبوعاقلة، وهو يضاف إلى تقارير محايدة سابقة وأبرزها تقريرا مؤسستي (سي.إن.إن) ووكالة أسوشيتد برس، وكلها إلى جانب الشهادات المحلية وصور الفيديو وتقارير خبراء الصوت والأسلحة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك مسؤولية إسرائيل المطلقة عن اغتيال الشهيدة بقرار متعمد وعن سابق تصميم. إذن لماذا تصم دولة الاحتلال آذانها عن الإدانات الدولية وحتى أنها لا تبدي اسفها عما جرى، وتشيد حكومتها بأداء الأجهزة الأمنية حتى في قمعها لجنازة شيرين، وتواصل سياسات التوسع والاستيطان وتهويد القدس، المقترنة بأبشع جرائم القتل والإعدامات اليومية من دون أن تحسب حسابا لأحد: لا لمؤسسة قانونية أو حقوقية ولا لأي جهة دولية، ولا لتأثير هذه الجرائم على مكانة إسرائيل وسمعتها وعلاقاتها الدولية؟
تترافق هذه الإدانات مع استمرار صدور تقارير مؤسسات حقوقية موضوعية ورصينة كتقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتي إلى جانب تقارير سابقة لمنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ومنظمة "بيتسيليم" الإسرائيلية، اتهمت إسرائيل بممارسة جرائم التمييز العنصري (الأبارتهايد) وأنها تفعل كل ما في وسعها لتأبيد الاحتلال.
من الواضح أن الإدانات الدولية لا تعني إسرائيل في شيء طالما أنها تبقى في حدود الكلام المرسل في الهواء، أو مجرد حبر على ورق، ولا تتحول إلى إجراءات عملية، وحيث تحظى إسرائيل بغطاء كامل وحماية دائمة من قبل الإدارة الأميركية التي لم تكتف بالامتناع عن لوم إسرائيل، بل ها هو الرئيس جو بايدن يكرّس زيارته المرتقبة للشرق الأوسط لغاية رئيسية هي ضمان أمن إسرائيل وتفوقها الحاسم على كل دول المنطقة، واعتبارها محور الارتكاز لحلف إقليمي جديد تسعى أميركا لبنائه في مواجهة إيران ويتألف هذا "الناتو الشرق أوسطي" من عشر دول عربية إلى جانب إسرائيل.
ثمة إذن مجموعة من الظروف المحلية والإقليمية والدولية تشجع إسرائيل على مواصلة سياسات التوحُّش الدموي ضد الفلسطينيين، وأبرز هذه العوامل هو التواطؤ الدولي الذي يصل إلى حد مشاركة إسرائيل في جرائمها من خلال الموقف الأميركي المنحاز بشكل مطلق لإسرائيل، والموقف الأوروبي الذي يتشدد في ابتزاز الضحية (الفلسطينيين) والضغط عليهم لتغيير مواقفهم بينما أقصى ما تقدمه أوروبا هو المواقف اللفظية والمساعدات الاقتصادية الشحيحة والمشروطة، في حين تحظى إسرائيل باتفاقية شراكة إسرائيلية اوروبية تعطيها مكانة الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي من دون أن تترتب عليها أي التزامات.
وعلى الصعيد الإقليمي يعيش النظام العربي حالة من التفكك والانشغال بالذات والحروب الداخلية المدمرة من جهة، او الانخراط في محاور وأحلاف إقليمية من جهة أخرى، وتواصل دول التطبيع اندلاقها على إسرائيل من دون تحفظ، فانتقلت من مرحلة إقامة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية إلى مرحلة التحالف في مواجهة "عدو" جرى اختراعه لتبرير هذه العلاقات. لا بل إن هذه الدول منحت إسرائيل شارة القيادة لهذا النظام الإقليمي الجديد الجاري بناؤه على أنقاض النظام العربي المتهالك أصلا. صحيح أن الطموح الأميركي الإسرائيلي لبناء هذا التحالف مبالغ في تفاؤله في ضوء معارضة بعض الدول العربية المرشحة للانضمام (العراق والكويت مثلا) والمعارضة الشعبية الواسعة في معظم هذه الدول، علاوة على تحفظ السعودية صاحبة مبادرة السلام العربية، وحامية حمى الحرمين الشريفين، ولكن هذا الاتجاه الذي تدفع إليه اميركا ويجد تجاوبا لدى بعض الدول العربية يغري إسرائيل بالتمادي في عدوانها دون أي تحفظ أو حساب.
ويبقى الانقسام الفلسطيني من أهم العوامل التي تشجع إسرائيل على التمادي في عدوانها، فعلى الرغم من كل الخلافات الظاهرية والتجاذبات الحزبية في الساحة الإسرائيلية، فإن جميع المؤسسات والأجهزة الإسرائيلية تبقى موحدة في تنفيذ مشروعها الاستيطاني التوسعي بما يشمل الحكومة والمعارضة والجيش والاجهزة الأمنية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية، وحتى مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام كلها موحدة في مواجهة الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم جغرافيا وسياسيا وعلى مستوى المؤسسات وبرامج الفصائل التي لكل منها استراتيجيتها الخاصة. هذا الخلل بالتحديد هو نقطة الضعف المركزية للموقف الفلسطيني حيث لا يمكن بناء موقف عربي ولا إسلامي موحد، ولا يمكن تجنيد قوى التضامن والمناصرة الدولية من دون توحيد الموقف الفلسطيني وامتلاكه استراتيجية موحدة تجمع بين أشكال المقاومة والنضال الجماهيري الممكنة من جهة وأدوات العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني من جهة أخرى.
لا يمكن تفسير الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بمبررات عملية طارئة كالتي تدعيها الدوائر الإسرائيلية من قبيل إحباط عملية هنا أو هناك أو اعتقال مطلوبين، فالتدقيق في حصيلة القتل اليومي يظهر استهداف أطفال ونساء ومدنيين آمنين في بيوتهم وفي مركباتهم وبعض عابري السبيل ممن قادهم حظهم إلى أن يتواجدوا في طريق وحدات القتل الإسرائيلية، ولذلك فهذا التصعيد جزء من مخطط سياسي يعتمد حربا شاملة ومفتوحة بكل الأدوات، وتتكون من حلقات مترابطة تشمل القدس وباقي أنحاء الضفة وحصار قطاع غزة، وتتكامل فيها أدوات الضغط والابتزاز الاقتصادي، مع أسلحة القتل والتدمير، مع جرافات وبلدوزرات هدم منازل الفلسطينيين وبناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي وتعطيش مئات آلاف الفلسطينيين، ومعاقبة اي مظهر من مظاهر احتضان المقاومة، ملخص هذا الحل هو فرض الاستسلام على الفلسطينيين، ودفعهم للتخلي عن حقوقهم الوطنية، وإفهامهم أن كلفة رفض مخططات الاحتلال هي كلفة باهظة جدا. أما ما تنفذه حكومة بينيت – لابيد من إجراءات قمعية من قبيل المزاودة على قوى اليمين في المعارضة فليس سوى تفصيل جزئي من مخطط مركزي شامل تتبناه أغلبية القوى السياسية الإسرائيلية ومؤسسات دولة الاحتلال.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
خلفيات التوحُّش الإسرائيلي