لو كانت دولة عميقة، كما قال عنها صاحبها بنيامين نتنياهو مؤخراً، لما تورطت في كل ما تورطت فيه منذ طوفان الأقصى، كانت ستقر بالضربة وألمها وأثرها، بل إلى ما صرح به قائد أركانها هيرتسي هاليفي بعد تنحيته مؤخراً: "لا أملك سوى الإشادة بحماس على خداعها لنا قبل 7 أكتوبر، ولم نعتقد أن 5 بالمئة مما حدث يمكن أن يحدث"، فتذهب -الدولة العميقة - فوراً للتفاوض عبر وسطاء لتبادل الأسرى، الكل مقابل الكل، وفتح صفحة جديدة من دراسة أسباب هذا الصراع وسبر أغوار جذره، ومحاولة التوصل إلى حله أو تذليله أو نزع فتيل تفجيره، لطالما أن مقاومة المحتل مكفولة بالقانون الدولي والشرعة الدولية، ولطالما أن أمين عام هذه الشرعية سارع إلى القول: "إن السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ".
كانت الدولة العميقة، ستحرر كل مختطفيها أحياء بدلاً من مقتل نحو أربعين شخصاً، كل له اسم وعائلة وأمان وتطلعات، وكانت بالتالي ستجنبهم كل هذا العذاب 15 شهراً في ظروف بالتأكيد أنها صعبة وقاسية ومؤلمة ومهينة، كانت الدولة ستظهر عملقتها وعظمتها وعمقها أمام نفسها وأمام شعبها وأمام مختطفيها، أنها حقاً دولة عميقة.
كانت الدولة العميقة، ستتخلص من عبء نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني، جزء كبير محكومون بالمؤبدات المؤبدة، منهم من أمضى في هذه الغياهب أربعة عقود، وجزء كبير آخر محكوم بقوانين الطوارئ البائدة، وكانت بالتالي ستتخلص من عبء سجونها وسجانيها وزنازينها وأروقة تعذيبها، الأمر ينسحب على مئات الجثامين في مقابر أرقام وثلاجات الموتى.
كانت الدولة العميقة ستتجنب أنها وضعت نفسها أمام "حركة" تحاكيها في معاملة الأسرى الذين زاد تعدادهم أربعة أضعاف منذ ذاك التاريخ، عذبوا وجوعوا وقتلوا واغتصبوا، حتى وصل الأمر بالدولة العميقة إلى أن تمنع الفرح عن المحررين وذويهم، كما تمنع المخدرات.
الدولة العميقة، كأنها أظهرت مع سبق الإصرار أن عمقها، مجرد شائعة، حين بدأت القتل والقصف بالجملة، في ظل حصار شامل طال حتى حليب الأطفال ودواء المرضى فأعلنتها محكمة العدل الدولية دولة إبادة وتطهير عرقي، ومحكمة الجنايات الدولية أعلنت رئيس وزرائها ووزير دفاعه مجرمي حرب، أما جيشها فوضع على قائمة جيوش العار السوداء في العالم.
الدولة العميقة، لا يصف صاحبها جهاز مخابراته، بأنهم عبارة عن عصابة مافيا، فيطرد مدير الجهاز الحالي، ويعرّض السابق للمحاكمة والاعتقال.
نتنياهو يشيد بعمق دولته اليمينية المتحالفة مع أمريكا اليمينية العميقة، ويغمز ضد اليسار الذي يحاول استغلال الأوضاع لإحباط الشعب، والشعب محبط، واليسار منذ أكثر من عقدين تبخر، أو أصبح يميناً، واليمين تحول من يمين ديني إلى يمين فاشي، والدولة العميقة تحولت إلى دولة لون واحد أو حتى شخص واحد، وانتقلت من دولة ناجية من إبادة إلى دولة صانعة للإبادة.
...........
كانت الدولة العميقة، ستحرر كل مختطفيها أحياء بدلاً من مقتل نحو أربعين شخصاً، كل له اسم وعائلة وأمان وتطلعات، وكانت بالتالي ستجنبهم كل هذا العذاب 15 شهراً في ظروف بالتأكيد أنها صعبة وقاسية ومؤلمة ومهينة.
شارك برأيك
معادلة... دولة عميقة بعمق متر واحد