أقلام وأراء
السّبت 06 يوليو 2024 9:54 صباحًا - بتوقيت القدس
في مواجهة مخاطر مرحلة جديدة يعيد التاريخ فيها نفسه
تلخيص
تعود الفكرة الأساسية وراء مقولة "التاريخ يعيد نفسه، مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة، للفيلسوف كارل ماركس والتي تتلخص في أن الأحداث التاريخية قد تتكرر، ولكن في كل مرة يحدث ذلك، فإن الظروف والسياقات تكون مختلفة، ما يؤدي إلى اختلاف في طبيعة النتائج والعواقب.
وفي محاولة تفسير المقولة هذه في سياق الأوضاع الجارية في فلسطين، يمكننا النظر إلى مراحل مختلفة من كفاحنا الفلسطيني ضد الاحتلال، وما رافقه على مدى العقود الماضية.
فبعض الصفقات والاتفاقات التي عقدت دون تحقيق تقدم حقيقي في حل القضية الفلسطينية، ووصول شعبنا إلى حقوقه التاريخية السياسية، عكست نوعاً من التكرار بطريقة أقل جدية أو بأهداف أقل قيمة من حجم التضحيات إثر الأحداث المأساوية التي حلت، وما تزال بنا منذ مأساة جريمة النكبة الأولى، وما تبعها حتى اليوم. فالتاريخ يعيد نفسه في سياق هذا الصراع الذي يشكل جوهره ومضمونه المفترض الرؤية الوطنية التحررية في مواجهة مشروع أستيطاني غير أخلاقي مبني على الأساطير ومصالح الاستعمار في المنطقة على حساب وجود شعب هو صاحب الأرض، ولكن بأشكال مختلفة تتراوح بين المأساة والمهزلة وفق الظروف والمؤثرات والمعطيات السياسية والاجتماعية التي تحيط بكل مرحلة، ومن ضمنها الأوضاع الداخلية الفلسطينية، بما في ذلك جوهر ومكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وطبيعة نظامنا السياسي والعلاقات بين مكونات شعبنا.
جدلية العلاقة بين نظامنا السياسي ومسار الاحداث السياسية
لقد اثار اهتمامي مقال للصديق د. إياد البرغوثي والذي أتفق مع جوهره، وبما اتسم به من الوضوح والجديد، والجرأة في تناول جدلية العلاقة بين نظامنا السياسي، ومسار الأحداث السياسية منذ نشأة منظمة التحرير، وما رافق ذلك من علاقة بين الشكل والمضمون. هذا إلى جانب إمكانية اعتباره محاولة لإثارة نقاش موضوعي علمي حول ما وصلنا إليه من أوضاع أمام سيناريوهات تتعلق بما يسمى باليوم التالي لحرب الإبادة والتهجير الجارية ضد شعبنا. لذا فقد حاولت في مقالي هذا أن أساهم في هذا النقاش، وربما من زوايا قد أثارها أو من زوايا مختلفة .
في اعتقادي، إن مفهوم اليوم التالي يجب أن يتلخص بالنسبة لنا بإعادة ترتيب الديناميات السياسية الفلسطينية الداخلية، وخلق تحديات وفرص جديدة على حد سواء لاستكمال مرحلة التحرر الوطني. فهذا الإطار والمفهوم من الشكل والجوهر هو ما سيشكل قاعدة الوحدة الوطنية لكافة أبناء شعبنا، فالوحدة تتمثل في الرؤية والبرنامج وأدوات العمل في منظمة التحرير، وليس بالإضافات الكمية لفصائل، رغم أهمية مشاركة كافة مكونات شعبنا فيها من قوى ومستقلين ومؤسسات مجتمعية أهلية منتخبة، بما في ذلك أهمية وجود قطاع الشباب والمرأة. وحتى ينطبق مفهوم الاستنهاض والتطوير والتفعيل. بدورها يجب أن تتخلص اليوم وقبل الغد من التناقض أو ازدواجية الأدوار بين الوطني التحرري، والدور السياسي البراغماتي الذي يفهمه البعض على أنه فن الممكن في إطار التعاطي والقبول بالواقع القائم، فيصبح من وجهة نظرهم القائم هو الممكن، ويصبح الممكن هو الحق .
بناء الاستراتيجية الواضحة
النجاح في تحقيق الوحدة والتوافق بين الكل الفلسطيني وبناء الاستراتيجية الواضحة دون تفسيرات متعددة لها، سيكون حاسماً في تحديد كيفية تأثير هذه المتغيرات والسيناريوهات المحتملة على مستقبل قضيتنا الوطنية بشكل عام. ومن أجل عدم تكرار التاريخ لنفسه مرة جديدة، بما لا يرتقي إلى مستوى التضحيات والمواجهة، وحجم التضامن الشعبي الدولي، والمكاسب المختلفة التي تحققت على المستوى العالمي لجهة عدالة قضيتنا، واتضاح وافتتضاح جوهر الفكر الصهيوني، ووقوف دولة الاحتلال أمام القضاء الدولي، وازدياد اشكال مقاطعتها وعزلتها أمام العالم، بعد أن تحطمت العديد من المسلمات والادعاءات لديها خلال التسعة شهور الماضية عسكرياً وأمنياً وأخلاقياً، خاصة سقوط ادعائهم أمام العالم بأنهم ضحية التاريخ الوحيدة على يد الوحش النازي، الذي يقوم اليوم نتنياهو باستقبال ورثته من اليمين الأوروبي المتطرف.
فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة
ولأن فكرة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة تتصدر تلك السيناريوهات القادمة المحتملة من وجهة نظري، بحيث تصبح كل منطقة تحت إدارة مختلفة، وهي مسألة تم طرحها ومناقشتها كثيرا في الأوساط السياسية وبمقترحات سابقة على مر العقود الماضية، هدفت رغم فشلها إلى محاولات تقويض المشروع الوطني التحرري الفلسطيني. إن النظر إلى محاولات تنفيذ هذا السيناريو اليوم من جديد يتطلب النظر إلى عدة جوانب معقدة ومنها، إن الولايات المتحدة وإسرائيل قد يرون في القفز عن الحل السياسي الذي يجب أن يضمن حق تقرير المصير، ووحدة الأرض والشعب والقضية، إلى تقسيم الإدارات الفلسطينية وسيلة لتحقيق منع ذلك، وتقويض إقامة الدولة ذات السيادة، وتنفيذ مصالح استراتيجية لهم بالمنطقة بحكم إصرار الولايات المتحدة على تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد بكل مكوناته الجيوسياسية والاقتصادية.
فمن خلال دعم نظام حكم مستقل في غزة تحت سيطرة حماس التي تبدو الآن عليها ملامح تغير في استراتيجياتها نحو "حماس جديدة براغماتية ". فبهذا السيناريو الافتراضي يمكن تقليل حجم الضغوط الأمنية وعبء المفاوضات المعقدة على دولة الاحتلال مع الأسرة الدولية ومنظمة التحرير الفلسطينية حول إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وفق المبدأ الأممي.
ترسيخ الانقسام الداخلي
تسعى إسرائيل من خلال هذا السيناريو إلى ترسيخ الانقسام الداخلي، وإضعاف منظمة التحرير، وتقويض دور السلطة الوطنية ،والموقف الفلسطيني الموحد في المفاوضات الدولية المفترضة، رغم استبعاد إحيائها الآن في ظل الظروف القائمة المحلية والإقليمية والدولية وفي ظل النظام العالمي القائم حتى اللحظة، بما يتضمنه من محاولات استمرار الهيمنة الأمريكية، واثارة الحروب بالوكالة وتصعيد النزاع مع الصين وروسيا، في وقت يتردد فيه بعض العرب في حسم مواقفهم تجاه القضايا المثارة.
بهذا السيناريو فان الضفة الغربية تُجزأ إلى كانتونات أو مناطق ذات حكم ذاتي موسع وفق رؤيتهم الجارية الآن، لكنها ستظل تحت نفوذ وسلطة الاحتلال الإسرائيلي المباشر أو غير المباشر، ما يجعل تحقيق حكم ذاتي كامل أمراً معقداً في الفترة المنظورة القادمة، بما له علاقة باتفاق أوسلو والذي منذ توقيعه حتى اليوم تضاعف عدد المستوطنين من ١٠ الآف إلى ٨٠٠ ألف حتى اليوم والارقام في تزايد مضطرد في محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي .
حماس الجديدة
أما قطاع غزة، وفي حال تنفيذ رؤيتهم لليوم التالي وبعد اقرارهم بأن حركة حماس هي فكرة لا يمكن اقتلاعها، وبعد تبيان حقيقة تطور مواقفها الأخيرة من مبادرة بايدن، وتراجعها عن بعض المطالب كما أعلن عن ذلك، فقد يصبح من الممكن برأيي بعد اتمام الصفقة أن يُناط بها دور كحركة حماس "الجديدة" لإدارة القطاع الذي جعله الاحتلال مكاناً غير قابل للحياة، خاصة وأنها لم تعلن عن عدم قبولها تولي إدارته. هذا الواقع وفق السيناريو المفترض سيواجه تحديات اقتصادية وإنسانية كبيرة تحتاج إلى دعم دولي مستمر، بداية بهدف إعادة الإعمار لما دمره الاحتلال، ولما بعد ذلك. فالإدارة بالقطاع وبغض النظر عن من تتكون لاحقا بحاجة إلى دعم دولي ضخم، خاصة إذا تم فرض قيود أو حصار على قطاع غزة من جديد من قبل إسرائيل وآخرين، أو إذا أعاد الاحتلال العدوان المجرم، حيث المبادرة لم تنص على منعه أو إمكانية استمراره بعد مراحل حددتها نصوص المبادرة التي تحولت إلى قرار في مجلس الأمن الدولي.
وبالتالي فان حماس الجديدة بحاجة إلى التوافق مع متطلبات الشرعية لها إذا تمت توليتها إدارة القطاع وإلى متطلبات أخرى هي أدرى بها.
....................
النجاح في تحقيق الوحدة والتوافق بين الكل الفلسطيني وبناء الاستراتيجية الواضحة دون تفسيرات متعددة لها، سيكون حاسماً في تحديد كيفية تأثير هذه المتغيرات والسيناريوهات المحتملة على مستقبل قضيتنا الوطنية بشكل عام.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 89)
شارك برأيك
في مواجهة مخاطر مرحلة جديدة يعيد التاريخ فيها نفسه