Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

OPINIONS

Wed 15 Mar 2023 10:18 pm - Jerusalem Time

The stick of General Abu Al-Saadi and the killer of Ziyad Abu Ein

‏ بقلم : عيسى قراقع ‏
يجلس أمام مدخل البيت على كرسيه المتحرك كأنه ينتظر قدوم أحد ، شفتاه ترتجفان ويجد صعوبة في ‏اشعال السيجارة ، جسمه يرتعش بسبب تدهور حالته الصحية ولكن في عينيه الخافتتين بصيرة حارس ‏، يجلس كأسد يضيئ بجمر سيجارته حدقات العتمة، ينظر حوله، يشرب قهوته المرة، يتفقدنا، كنا ‏ناقصين، سأل عن الكثير من الاصدقاء والاحباء الشهداء والاحياء، دمعت عيناه كأنه تذكر ذلك اليوم ‏الثقيل في قريته ترمسعيا عندما استشهد المناضل زياد أبو عين وزير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ‏يوم 10-12-2014 خلال الاعتداء عليه من قبل جنود الاحتلال واستهدافه بقنابل الغاز خلال فعالية ‏شعبية بزراعة أشجار الزيتون في أراضي قرية ترمسعيا المهددة بالمصادرة .‏


محمد صدوق أبو السعدي الرجل الثمانيني وابن قرية ديربان المهجرة لا زال يحمل تلك العصا العتيقة ، ‏عصا العودة والامل،عصا يحارب بها زمن اليأس والضجر، عصا يضرب بها حتى ينفلق الحجر، ‏عصا تفتح الطريق المغلق بالحواجز العسكرية والمستوطنات، عصا العابرين الى حريتهم وكرامتهم ‏وسط هذا الليل الحالك ،عصا الشهداء والاسرى والفقراء التي تصير احيانا علما ذو الوان اربعة ،تصير ‏شجرة وارفة، تصير يدا ومقاومة ، تصير بندقية وجذع منتصب القامة، عصا تنبش الماضي لتصنع ‏الحاضر في جدلية التراث والاصالة والهوية والحضارة .‏


هجم أبو السعدي بعصاه على قاتل زياد أبو عين، ضرب الجنود المتوحشين ،كان ابو السعدي غاضبا ‏،غضب الكهل الصخري الذي انفلق كالزلزال ،غضب الخميرة والزيت والبراهين، غضب الارض ‏المسروقة وقد استعادت جذورها وعظامها الدفينة ، رأى ابو السعدي الشهيد زياد يختنق ، قنابل غاز ‏ورصاص، انفاس زياد تحترق وعيناه تحدقان في وجه القاتل ، عينان مفتوحتان على الطوفان، عينان ‏تتموجان بتراب الارض، عينان حادتان كشفرة السكين، عينان فيهما الرفض والبصيرة البعيدة، عينان ‏تجمعان كل الصور، عينان ترسمان افقا اخر ابعد من الموت وأقرب الى عطش الحياة . ‏


‏ أبو السعدي يضرب الجنود بعصاه ، لا ينسحب ولا يتراجع ، الجميع شاهد أبو السعدي يحرك بعصاه ‏أرواح الصامدين واجنحة الهواء المخنوق ، العصا والكوفية الرقطاء والوجه العنيد ، الجنرال ابو ‏السعدي يقود بعصاه تلك الكتيبة ، يصرخ ويزمجر ويبرق كرعد سماوي ألقى على المحتلين ناره ‏الحامية ، هذه العصا عمرها 74 عاما ، العصا هي التاريخ ، عصا ابو السعدي هي الارادة عندما يخنقك ‏الموت والجدران وصمت العدالة الكونية .‏


عصا أبو السعدي هي كل مدينة وقرية وحارة ، الرمز والدعوة والرسالة، العصا فيها دماء وشرايين ، ‏فسلام على تلك العصا الصلبة المقاتلة ، فاحملوا عصيكم ايها الناس واخرجوا ، المستوطنون قادمون ، ‏المستوطنون ينهبون الارض ويعربدون ويقتلون ، اخرجوا ، عصا ابو السعدي ارسلت الاشارة ، اعلنت ‏النفير، فمن رأى عصا ابو السعدي فلينهض الان ويكسر هذا الصقيع ، يضرب بعصاه الارض حتى ‏ينفجر الصخر قرارا ومصير.‏


سلام على تلك العصا السحرية ، لا تضعوها في متحف للنسيان او للذاكرة ، هي عصا الاعمى اذا ضل ‏الطريق ، هي عين ثالثة ، وهي عصا المقرور اذا اصابه البرد لينبش الجمر ويشعل الحريق، عصا ‏الفدائي الذي لا يرفع يديه مستسلما في غرف التحقيق ، عصا تقود الى الامام ، جيل وراء جيل يفيق ‏ويفيق ، عصا ابو السعدي هي الباقية ، عجوز يتعكز عليها ويقاتل بها رغم كبر سنه ، لا زال يمشي ، ‏يقول نستطيع أن نمشي ، العمر لا يشيخ في فلسطين ، العمر يتجدد ويتوالد وينهض عندما تناديك الحياة ‏الحرة القادمة .‏


عصا ابو السعدي هي ابنة الارض، ابنة كل الاشجار والنباتات البرية، العصا التي منعت بني اسرائيل ‏من عبور البحر واحتلال الارض، عصا مذكورة في كل الكتب السماوية، عصا مقدسة لان الذي ‏يحملها عجوز نجا من النكبة عام 1948، حمل عصاه وجلس فوق الجبل يرقب عودته الى قريته ‏المنهوبة .‏


عصا الجنرال ابو سعدي تهاجم قاتل الشهيد زياد ابو عين ، تتصدى لكل هؤلاء الغزاة الذين لا زالوا ‏يلاحقوننا بالقتل والنهب والسجن والاستيطان ، يتصدى للغزاة الذين يكرهون البشر، يحملون البنادق ‏والمجارف ويتغولون بالجرافات ، لعلهم يجدون في الارض لهم هيكل او اله ، يصابون بجنون الفاشية ‏والعنصرية عندما لا يجدوا سوانا تحت التراب وفوق التراب .‏


استشهد زياد ابو عين وما زال الجنود ينقضون على ابي السعدي ، هي عصا في مواجهة السلاح ، هي ‏عصا مصنوعة من عضلات القلب ، لا تنكسر ، عصا اسطورية تحرك الشمس حيث تشاء ، عصا من ‏ارادة تحطم حديد الزنازين عندما ينتفض الاسرى خلف القضبان ، عصا شهيد جعل من الارض سجادة ‏للرحمة والصلاة .‏


عصا الجنرال ابو السعدي هي تلك العصا التي تنبأ بها العالم الفيزيائي اينشتاين عندما قال : انا لا ‏أعرف السلاح الذي سيستخدمه الانسان في الحرب العالمية الثالثة ، لكني اعرف انه سيستخدم العصا ‏والحجر في الحرب العالمية الرابعة ، وربما هي تلك العصا التي تحدث عنها محمود درويش عندما قال ‏‏: هي مسلتي وهويتي الاولى ومعدني الصقيل ، ومقدسي العربي في الصحراء،يعبد ما يسيل من ‏القوافي كالنجوم على عباءته ويعبد ما يقول ، عصا لها دلالات في القول وفي النسغ والعقل وتاريخ ‏يكتبه الشهداء .‏


سلام على تلك العصا ،ربما هي من زيتونة مزروعة في جبل الطور في القدس، عصا تشق الغيب‏،ربما هي يد الملاك تقرأ الضوء، ربما هي من نخلة ولدت تحتها مريم العذراء ، ربما هي مطرقة ‏الحرية ، انها تعليمات العصا ، تعليمات ابو السعدي، لا تذهب الى القدس الا حاملا عصاك، القدس تكره ‏الفراغ، خذ عصاك واستغفر، فالمياه العذبة والرياح اللوافح تخرج من تحت صخرة ببيت المقدس، قال ‏ذلك ابو هريرة عندما التقى بأبي السعدي في باب العامود وتحت قبة السماء.‏


الجنرال ابو السعدي هو اول من حمل الصافرة لتنظيم المركبات في الشوارع وفي دوار المنارة في رام ‏الله بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1995 ، اول شرطي فلسطيني متطوع، اول من شعر بالحرية ، ‏استعاد حياته المصادرة، الجميع سمع الصافرة، مرحلة جديدة تحتاج الى صافرة فلسطينية ، يخرج ‏صوتها من اعماق الصدر، زفير رجل كان يحلم ان الدولة الفلسطينية قادمة لها رئة وأرض وحدود ‏وعلم وهوية وسيادة .‏


ابو السعدي يحمل عصاه في كل اعتصام للاسرى خلال فعاليات التضامن معهم ،يلوح بها،يكتب بها، ‏يرفع صور الاسرى عليها، يشير بها الى المعسكرات والسجون ، العصا تتجاوز الحدود والاسلاك ‏الشائكة ، عصا الوعي يطل على المعتقلين من خلف الجدار ومن كل نافذة .‏


لا زالت سلطات الاحتلال تفتش عن عصا ابو السعدي ، العصا التي ضربتهم وهددتهم عندما استشهد ‏زياد ابو عين ، العصا مطاردة ومطلوبة، العصا هي الشاهد وهي المحكمة ، العصا هي الغابة ‏الجماهرية تكتبها الارض وترويها الفصول ، العصا زنود تقذف الحجارة ، فمن العصا كانت النقافة ‏والقوس والرمح والفأس وعمود البيت وعمود الشعر، العصا تتحول الى حية، من يحمل عصا ابو ‏السعدي لا يعرف الخوف، عصا لا تتردد ولا تعرف الشك والمساومة، عصا اللحظة الحاسمة . ‏

Tags

Share your opinion

The stick of General Abu Al-Saadi and the killer of Ziyad Abu Ein