فلسطين
الجمعة 02 ديسمبر 2022 6:19 مساءً - بتوقيت القدس
خبز لينا الشهير بنكهة الكدِّ والتعب
نابلس- "القدس" دوت كوم - روان الأسعد - في قرية روجيب الواقعة جنوب شرق مدينة نابلس، تستيقظ لينا النعنع من الساعة الثانية عشرة ليلا، لتستعد لرحلة العمل الشاق، وهي تعجن وتخبز الخبز العربي على موقد الحطب لتبيعه للزبائن في محاولة منها لكسب لقمة عيشها، وتستمر حتى الساعة الحادية عشرة ظهرا لتسجل حضورها كامرأة قوية قادرة على اجتياز كل الصعوبات متحدية الفاقة بعزة وكرامة.
صعوبة البداية ،،
ظلت لينا، وهي أم لخمسة من الأبناء، تبحث عن مصدر دخل لها تريد من خلاله إحداث تغيير وصناعة فارق في حياة عائلتها في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومصاريف الحياة وتكاليفها المرهقة، ولتكون سندا لزوجها الذي يمتهن الخياطة.
تروي لينا قصتها قائلة: حالنا كحال الكثير من الأسر المستورة التي يعمل فيها الزوج ليل نهار لتأمين قوت يومنا، إلا أن عمله وحده لم يكن يكفي ليغطي كل الأعباء، وفي نهاية كل شهر تتراكم علينا بعض الديون، كنت دوما أفكر كيف أساعده وأعينه على هذه الحياة ومشقاتها وماذا أعمل، خاصة وأنني تزوجت صغيرة في العمر ولم أكمل تعليمي، أنهيت دراسة الصف العاشر فقط، وكان زوجي يرفض أن أخرج من المنزل للعمل خاصة أن أبنائي مازالو صغارا ويحتاجون لرعاية وعناية ولا أستطيع تركهم بمفردهم.
وتابعت: في يوم من الأيام كنت جالسة مع صديقة لي وأسرّ لها أنني أريد العمل وأريد أن يدخل علي ولو عشرة شواكل يوميا المهم أن أعمل. فقالت لي: لماذا تفكري كثيرا؟ أنتِ محترفة في صناعة الخبز والمأكولات، لماذا لا تستغلين هذه الموهبة وتعملين بها؟ فرحت كثيرا من فكرتها وقررت أن أستغل هذه الموهبة وأن أصنع خبز الطابون وأبيعه، فرغم أننا نعيش في قرية، إلا أن كثيرا من الناس لايخبزون هذا الخبز العربي. وبالفعل بدأت العمل على الفكرة وأعددت مابين 15 - 20 رغيفا وكنت أبيع الخمسة منها بثلاثة شواكل، وذهبت إلى مدرسة بجوارنا لأبيع ما خبزته للمعلمات، وكانت فرحتي لا تصدق فقد بعت كل ما خبزت، وكانت بدايتي في 2013 أواخر شهر كانون الأول.
ربّ ضارّة نافعة ،،
أحيانًا تكون بعض الآلام هي الحافز لنتطور ونغير طريقة تفكيرنا وكأنها بوصلة تريد توجيهنا لطريق النجاح لتسهل علينا خطوات كثيرة وتنير دربنا، وكما يقولون رب ضارة نافعة.
وتقول لينا: في إحدى الأيام كنت ذاهبة كعادتي إلى المدرسة بانتظار خروج المعلمات والطالبات للفرصة لأبيع الخبز، لأتفاجأ بخروج المديرة وسؤالها لي عما أفعله هنا، أخبرتها أنني أبيع الخبز للمعلمات، فقالت لي بنبرة حادة خذي خبزك واخرجي من المدرسة، أخبرتها أنني قد أعددته وخبزته لتدعني أبيعه، لكنها رفضت. أخذت الخبز وخرجت والدموع تملأ وجهي وحتى هذه اللحظة كلما عدت لذاك اليوم وتلك اللحظة أبكي بحرقة شديدة. كان الموقف مؤلما، عدت إلى البيت وأنا حزينة وأفكر مهمومة، ورغم أن أطفالي كانوا صغارا، إلا أنهم كانوا يحسون بالألم وضيق الحال وظروفنا الصعبة.
واسترسلت: أخبرني أبنائي أن أبيع ما أخبزه في السوبر ماركت بدل المدرسة، أعجبت بفكرتهم وبالفعل رب ضارة نافعة، توجهت إلى صاحب الدكان وعرضت عليه الفكرة، رحب بها وطلب مني وقتها إعداد خمس ربطات من الخبز ليجربها، واتفقت أيضا مع دكان آخر وبالفعل بدأت أخبز وأبيع، لم تسعني الدنيا من الفرحة عندما طلب مني خمس ربطات من الخبز شعرت أنني ملكت الدنيا وما فيها فسيدخل علي مبلغ يومي ثابت، ومن خلال بيعي في السوبر ماركت بات الناس يعرفونني ويعرفون أنني أبيع الخبز.
طريق النجاح ،،
لينا التي بدأت مشروعها من الصفر، لم تيأس مع إغلاق الباب الأول في وجهها، ولم تستسلم للظروف، بل على العكس جابهتها ووقفت في وجهها لتفتح بابا آخر كان باب النجاح وتطوير مشروعها من عمل بيتي الى مخبز يؤمه الناس من كل مكان في مدينتها، وليس قريتها وحسب، وبات اسمها معروفا ومضربا للأمثال في إظهار مدى قوة المرأة ونشاطها وتسلحها بالعزيمة والإصرار للوصول لهدفها.
تروي لينا: ثلاث سنوات وأنا أستيقظ كل ليلة من الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل لأعجن وأقطع وأرقّ العجين ثم أخبزه، وأستمر دون راحة حتى الساعة الحادية عشرة صباحا لأنتج مابين 40 -60 رغيفا يوميا وأحيانا أكثر وأبيعها. فبعد أن بات الكل يعرفني ويطلبون مني تغير الحال الحمد لله، وصرت أساهم أكثر مع زوجي في مصاريف الحياة ومتطلبات عائلتنا كما أنني كنت أدخر جزءا صغيرا منها، فلا أحد يعرف أحوال الدنيا وتقلباتها. رغم كل التعب والمعاناة في إعداد الخبز وخبزه رغيفا رغيفا، صار زبائني ينصحونني أن أوسع مشروعي وأقوم بتطويره.
وتردف: أخبروني عن أفران الطابون الكبيرة التي تبنى وتنتج عدد أرغفة أكثر في الدقيقة الواحدة وتوفر علي الوقت والجهد والعناء، أحببت الفكرة كثيرا وتوجهت للعديد من الأفران لأشاهد وأتعرف عليها. وفي عام 2016 كانت الخطوة الفارقة في حياتي، حيث استطعت ادخار مبلغ 13 ألف شيكل وقمت بعمل مخبز خاص بي وبناء فرن طابون على الحطب، وأطلقت عليه اسم "مخبز طابون روجيب"، ووسعت العمل فيه لأعد خبز الطابون العربي الذي عرفت به إضافة الى المناقيش والمعجنات بكافة أشكالها، ووقف زوجي إلى جانبي وبدأنا العمل فيه يدا بيد، تعلمنا كيفية إعداد العجين وتقطيعه وخبزه واحتاج الأمر منا وقتا ثم انطلقنا بالعمل، وهنا كانت النقلة النوعية في مشروعي وفي حياتنا كأسرة تتكون من سبعة أفراد.
تجاوز العقبات ،،
حالها حال الجميع، فهي امرأة تعيش في قرية من الصعب فيها تقبل أن تكون المرأة ريادية وتبدأ من الصفر لتنهض بنفسها وتساعد عائلتها جنبا إلى جنب مع زوجها، لذا لم يكن طريق لينا مفروشا بالزهور، فهنالك أشواك كثيرة كان عليها المرور فوقها لتصير ما تريد.
بنبرة سعيدة، تقول: واجهت العديد من الصعوبات والكلام السلبي والانتقادات، لكنني كنت قوية وصامدة، لأنني أريد صناعة فارق في حياتي وكنت أحول هذه الطاقة السلبية إلى ايجابية وأتخذها حافزا لي للاستمرار والنجاح ولم أقف عندها، فقد كان أهلي سندا لي وإخوتي يشجعونني دائما على الكفاح والمثابرة، كما أن زوجي وأبنائي كانوا عونا وسندا، وفخرت كثيرا بنفسي عندما بدأت نساء القرية تقليدي، سواء في البحث عن مشاريع خاصة بهن أو العمل في صناعة الخبز، مما زاد من همتي وعملت بجد ليصبح مخبزي معروفا، ليس فقط في قريتي بل في كل مكان من مدينتي، وصار اسمه مضربا للأمثال يأتي الناس اليه ليتمتعوا بالمذاق الشهي ورائحة خبز الطابون الأصيلة، وبات أبنائي يساعدونني ويفخرون كثيرا بي لأنهم شعروا بكل الصعوبات التي مررنا بها وكيف تحولت حياتنا وانقلبت للأفضل.
لينا التي عانت الأمرين حتى استطاعت تغيير حال أسرتها وبناء مشروع خاص بها لتكون مثالا يحتذى به للمرأة الصبورة المثابرة والناجحة التي تستحق تكريمها، وجهت رسالة لكل امرأة لديها فكرة مهما كانت بسيطة أن تعمل عليها متسلحة بالإصرار والإرادة، وأن لا تكترث للمحيط المحبِط من حولها، بل عليها أن تتخطاه بقوة شخصيتها وأن تسعى ليس فقط للنجاح بل للاستمرارية فيه وأن تسعى وتطور من نفسها دائما.
دلالات
محمود قبل ما يقرب من 2 سنة
كل الاحترام و التقدير
عدلي نعيم الأسمر قبل ما يقرب من 2 سنة
كل الأحترام والتقدير بالتوفيق ان شاء الله
بكر الصديق قبل ما يقرب من 2 سنة
افضل مخبز و افضل اكل و افضل خبازة كل التوفيق
الأكثر تعليقاً
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أردوغان: مبادرة بايدن الجديدة لوقف النار في غزة متأخرة لكنها مهمة
نازحون يروون لـ"القدس" معاناتهم مع تلك الليلة التي غرقت فيها فُرشهم وطارت خيامهم
سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة
بلينكن: نريد أن يعيش سكان غزة من دون حماس
الاحتلال يصيب شابين ويعتقل 4 آخرين ويدمر البنية التحتية في مخيم الفارعة و طوباس
نتنياهو يُهدئ في الشمال ليواصل التصعيد في الجنوب
الأكثر قراءة
وهم ترامب لدى إسرائيل: لماذا من غير المرجح أن تنجح طموحات نتنياهو لإعادة تشكيل الشرق الأوسط
نتنياهو يُهدئ في الشمال ليواصل التصعيد في الجنوب
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. بأيّ حالٍ يعود؟
سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة
أسقط الأقنعة عن الدول المتواطئة.. قرار "الجنائية" فضح السردية الـمُلفّقة
مهّدت له الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.."بسط السيادة" على الضفة.. أوهام التوسع والسيطرة
الرئيس يصدر إعلانا دستوريا بتولي رئيس المجلس الوطني مهام رئيس السلطة الفلسطينية حال شغور المركز
أسعار العملات
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 10:27 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.64
شراء 3.63
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.83
شراء 3.8
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 141)
شارك برأيك
خبز لينا الشهير بنكهة الكدِّ والتعب